“لم تعد العلاقات العامة فن الدعاية للمؤسسات الراغبة في تحقيق ربح مادي فقط، أو وسيلة لفرض إرادة الشركات على مجتمعاتها المحلية“، هذه حقيقة أثبتها التطور الذي تشهده مختلف قطاعات الأعمال وخاصة مع تعاظم دور منظمات العمل الخيري، والخدمية غير الهادفة للربح، وما تمتاز به هذه القطاعات من خصوبة وثراء فيما تقدمه من أنشطة وخدمات إلى حد يعتبرها فيه البعض من أفضل مجالات ممارسة العمل الإعلامي.
وتبدو برامج المسئولية الاجتماعية أكثر أهمية في ظل التوجه السائد حاليا لدى معظم الدول العربية وخاصة تلك التي تمتلك الرغبة والطموح في الوصول إلى صيغة جديدة لممارسات ديمقراطية تضع قواعد واضحة للعلاقة بين الفرد ومؤسسات الدولة الحكومية والخاصة، وما ينتج عنها من تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وإلى جانب دورها في خلق تنظيم ذاتي يضمن التزام منظمات الأعمال بالأطر القانونية والمعايير الأخلاقية لممارسة الأنشطة التجارية على المستوى المحلى والإقليمي والدولي، تعتبر مبادرات المسئولية الاجتماعية بمثابة “جهاز كشف الكذب” بالنسبة للمتخصصين في مجال العلاقات العامة حيث تقدم مؤشرات دقيقة بشأن وجهة نظر الجمهور في سمعة المنظمة، وسياساتها، وأدائها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تحدد مدى فعالية الدور الذي تلعبه العلاقات العامة في بلورة اتجاهات الإدارة العليا للمنظمات وترجمتها إلى جهود يمكن رصدها إعلاميا، والتمهيد لخلق قبول اجتماعي يسمح بتنفيذها والحصول على رجع صدى واسع بشأنها.
تقوم برامج المسئولية الاجتماعية في مفهومها الصحيح على منهج له طابع خاص يعمل على الإعلاء من شأن قيمة أو مبدأ إنساني معين من خلال الاستثمار في قضية تهدف إلى خدمة فئة أو أكثر من فئات المجتمع.
وعلى الرغم من الأهمية التي توليها معظم المؤسسات لابتكار برامج ومبادرات ذات طابع اجتماعي، تفتقر بعض أو معظم هذه البرامج إلى منظور الأخلاقي الصحيح الذي يمكن من خلاله تطويرها لتصبح اتجاها تعتنقه المؤسسة صاحبة المبادرة أو ثقافة يمكن تعميمها على مستوى المجتمع ككل.
ويظهر هذا القصور واضحا عند ابتكار مبادرة لمجرد الترويج الإعلامي، أو عند تزايد الشكوك حول أنشطة المؤسسة ومصداقيتها لدى الجمهور، أو مع عدم اقتناع القائمين على تنفيذها بجدواها. كما يسود اعتقاد خاطئ لدى بعض ممارسي العلاقات العامة حول برامج المسئولية الاجتماعية بأنها تقتصر على مشاركة المنظمة في الأنشطة والأعمال الخيرية أو أنها الباب الخلفي للتهرب من أعباء الرقابة الحكومية ووسيلة للدخول في شرائح ضريبية أقل.
ورغم تنوع برامج المسئولية الاجتماعية إلا أن معظمها يدور حول موضوعات بعينها مثل قضايا التعليم، والتدريب، ومكافحة الفقر، وجمع التبرعات الخاصة ببحوث وحملات الرعاية الصحية، وحماية البيئة، ودعم المشاركة والتوعية السياسية. ويعد من أفضلها على الإطلاق تلك التي يمكن أن تلفت انتباه المشرعين إلى قضية معينة وتدفعهم إلى إعداد مسودة لقوانين وتشريعات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة.
ومن المعروف أن برامج المسئولية الاجتماعية تمثل امتدادا لما يمكن أن نطلق عليه “أخلاقيات الأعمال” والتي تهتم بدمج القيم الإنسانية مع أساليب ممارسة النشاط التجاري، وتعكس ثقافة المنظمات والقيم التي تتبناها إداراتها والعاملين بها لتخلق نمطا مميزا لإدارة العلاقات من الناحية التجارية والاجتماعية.
وأخيرا، يظل مفهوم “المسئولية الاجتماعية” للمنظمات مثار جدل واسع النطاق نظرا لاختلاف توجهات إدارات المؤسسات في علاقتها ببيئاتها ومجتمعاتها المحلية، ويعزز من هذا الجدل عدم وجود منهج بحثي يمكن من خلاله وضع نظريات تحكم تطبيق مبادرات المسئولية الاجتماعية. إلى جانب أن البحث في مثل هذه المبادرات يركز على دراسات حالات لأغراض دعائية وإعلامية.. ليس إلا.