بناء الثقة.. أفضل ممارسات قادة الأعمال

 

نقلا عن مجلة ( بى اى جورنال) التى تصدر عن الجمعية الأمريكية للعلاقات العامة 

القيادة من منظور أخلاقي يجب أن تكون عملة عالمية”. كانت تلك إحدى الشعارات التي أطلقها عدد من رجال الأعمال والمديرين التنفيذيين في مؤسسات غير هادفة للربح خلال مؤتمر تم عقده مؤخرا لمناقشة الموضوعات المتعلقة بأخلاقيات القيادة.

وقد جاء ذلك ردا على تعليق لأحد المشاركين قال فيه: “لا أستطيع أن أتذكر آخر مرة سمعت فيها عن رجل أعمال قام باتخاذ موقف قوي تجاه أي شيء له علاقة بالقيم والأخلاق. فالجميع قلق بشأن عائدات المساهمين أو بقاء شركاتهم على قيد الحياة بكل بساطة”.

هذه الآراء المتعارضة تعكس التحديات التي تواجه قادة اليوم. ففي الوقت الذي يجب أن تتعامل فيه جميع المنظمات مع مسألة تراجع الثقة بسبب الضغوط القوية المتمثلة في الأزمة المالية والبطالة وضعف الأداء السياسي، يركز القادة بشكل متواصل على بناء أو إعادة بناء الثقة.

إن أكثر استراتيجيات بناء الثقة فعالية هي تلك التي تتضمن التزاما صادقا من قبل القيادة العليا، ومنهج قائم على قيم إدارية واضحة يتم تعزيزها ودعمها في جميع أنحاء المنظمة.

  •         كيف وصلنا إلى هنا، وإلى أين نريد أن نذهب؟

“تزداد حدة الرفض العام لتوجهات وسلوكيات منظمات الأعمال، حيث يطالب الجمهور الشركات بقدر أكبر من الشفافية، والنزاهة، والمسئولية”.

ويظهر مؤشر اديلمان للثقة لعام 2011- وهو مسح سنوي عالمي حول الموقف العام من منظمات الأعمال والحكومة والمنظمات غير الحكومية- انخفاضا في الثقة بمنظمات الأعمال في الولايات المتحدة حيث وصل عدد المبحوثين ممن يعتقدون أنهم على ثقة في قدرة رجال الأعمال على التصرف بشكل صحيح إلى حوالي 46 % فقط.

الثقة في الحكومة الأمريكية جاءت أسوأ من ذلك لتقدر ب40% ،  وهو تقريبا نفس معدل الثقة في الحكومة الروسية. وأخيرا، ينظر إلى المنظمات غير الحكومية في الولايات المتحدة باعتبارها جديرة بالثقة بنسبة 55 %، وهو معدل أعلى بكثير من الشركات والمنظمات الحكومية، ولكن هذا المعدل شهد تراجعا خلال الحالي العام بمعدل ثماني نقاط منذ آخر تقييم تم إجراؤه عام2010.

ويمكن العثور أيضا على أدلة مشجعة على أن قادة الشركات يستمعون إلى آراء الجماهير المستاءة من ممارساتها في نتائج استطلاع للرؤساء التنفيذيين أجرته شركة IBM العالمية عام 2010. الاستطلاع – الذي تضمن 1500 مقابلة شخصية – يكشف عن أن كبار المديرين التنفيذيين يعتقدون أن الإبداع والنزاهة هما الصفات القيادية الأكثر قيمة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

ويدل تصدر هاتين السمتين لقمة “شجرة تفكير قادة الأعمال” على أن كبار المسئولين التنفيذيين يبحثون عن طرق جديدة للتفكير والتنفيذ. الدراسة تشير أيضا إلى مدى حرفية قادة الأعمال في خلق وإدارة أساليب الاتصال منفتحة وابتكاريه للتعامل مع جيل جديد من الشركاء والموظفين والعملاء.

  •       بناء ثقافة الثقة

الغالبية العظمى من قادة منظمات الأعمال الذين عملوا مع شركات استشارية كانوا أناس من ذوى النزاهة والانضباط الذاتي. كما أن الرجال والنساء الذين يقودون أفضل 500 مؤسسة وشركة رائدة في الولايات المتحدة هم أشخاص أذكياء ومتفانون ومجتهدون في أعمالهم.

إن القادة الذين يقفون حقا فوق قمة الهرم الإداري هم من يتشاركون العاطفة والالتزام بما يسمي بثقافة القيم. وعلى الرغم من اختلاف اللغة المستخدمة من شركة إلى أخرى، تم تحديد أربعة عناصر أساسية تميز أفضل القادة وثقافات الشركات:

1- الخدمة بالداخل أولا:

الثقة تبدأ من داخل المنظمة، فأفضل قادة نعمل معهم هم من يتشاركون الالتزام بخلق بيئة عمل إيجابية، وموثوق بها، ومكتملة حيث يولي الرئيس التنفيذي والفريق التابع له الاهتمام ويتعمدون موائمة رؤية المنظمة وأهدافها مع احتياجات الموظفين من خلال تحويل الأقوال والأفكار إلى أفعال.

ويشتمل هذا التوافق على نهج متكامل يتكون من: التزام شخصي وتركيز من الرئيس التنفيذي على تحديد بوضوح أهداف العمل والطموحات بشأن سلوكيات الموظفين، ونظام تعليم ذا معنى بالنسبة للموظف، وبرامج للإشادة والتقدير.

إن القادة الذين يسعون لتحويل شركاتهم إلى ثقافة تستند إلى القيم يكونون أكثر فعالية حين يستخدمون في البداية أسلوب خطابي متحفظ، في الوقت الذي ينفذون فيه بقوة مبادرات التدريب، والاتصالات، وعمليات المساءلة، والنظم المعمول بها. وعندما يتم الشروع في إحداث تغيير بالمنظمة، يعتبر من الأخطاء الشائعة البدء في الاتصال قبل اتخاذ إجراء أو سلوك معين، وهو ما قد يتسبب في صدور توقعات خاطئة من قبل الموظفين.

2- إظهار الشجاعة وإدارة التعقيد:

يحتاج قادة المنظمات إلى إضافة أكثر من أوقية من الشجاعة عند تناول قهوة الصباح لاستعادة الثقة داخل المؤسسة وخارجها، وهذه ليست مهمة سهلة.

وتصف لومنجير – المؤسسة الرائدة في مجال الأبحاث والتدريب-  الشجاعة الإدارية بأنها “القدرة على تقديم التغذية الراجعة علنا وبلباقة ​​ للآخرين من دون ترهيب؛ والتعامل وجها لوجه مع مشكلات الأفراد والمواقف الحساسة”. وثبت أنها واحدة من أصعب المهارات القيادية التي يمكن إتقانها، كما أنها أكثر صعوبة وأهمية من إعادة تنظيم العمليات والمخططات وجداول البيانات التي تشغل الكثير من الوقت.

إن كبار القادة هم من يجيدون إدارة الصراعات والتعقيدات، بينما يتصرفون ببرود عند الوقوع تحت الضغط، كما أنهم لا يخشون الاعتراف عندما لا تكون لديهم كل الإجابات. ويدرك الكثيرون أنه إذا كانت نقاط القوة هي التي تجذب الآخرين لنا، فإن نقاط الضعف هي التي تجعل الناس يحبوننا حقا ويتبعوننا.

3- الثقة بمثابة “مضاعف للقوة”:

النظام العسكري  كان أول من روج لفكرة “مضاعف القوة“، وهو ما يشير إلى السمات أو العوامل التي تزيد كثيرا من فعالية مجموعة، وأفضل مثال على تطبيق هذا المفهوم هو برنامج القيادة المبني على القيم الخاص بمشاة البحرية الأمريكية. وقد صمم البرنامج لتقديم تأثير مضاعف يحافظ على الاتجاه العام لتحركات القوات في الميدان من خلال تحديد والالتزام بالأهداف المشتركة والسلوكيات، ومهام قوات الإنقاذ.

ويمكن أن نعزو نجاح القوات إلى فهم “أن واحدا زائد واحد يساوي أكثر بكثير من اثنين”، وأن “السلسلة لا تكون قوية إلا بقدر قوة أصغر حلقة”. قم بخلط ذلك مع جرعات كبيرة من الإيمان بقضية أكبر من الذات، لتستطيع أن تخلق بعض الأشخاص الذين يمكنهم التحرك بالفعل.

ويمكن العثور على أمثلة للشركات التي تستند إلى قيادتها إلى القيم مضاعفة للقوة في قائمة مجلة “فورتشن” السنوية لأفضل الأماكن للعمل. الشركات التي يتم اختيارها لقائمة التفوق في بناء الثقة في القيادة تلك التي تتوسع، أو تضاعف الثقة بين الإدارات وزملاء العمل. وهذا يخلق بيئة عمل أكثر دعما وإنتاجية، وتقدم نتائج استثنائية.

4- القادة كرواد في مجال سرد القصص:

فن سرد القصص هو واحد من الأدوار الرئيسية التي يحتاج أن يلعبها القادة عند غرس وتعزيز ثقافة تستند إلى القيم، وأهم دور للرؤساء التنفيذيين في خلق ثقافة تستند إلى القيم هو أن يعمل بمثابة رائد في فن إلقاء القصص.

يقول الدكتور والتر فلوكر -مؤلف كتاب مارتن لوثر كينج وأستاذ أخلاقيات القيادة بجامعة بوسطن- إن المسئولين التنفيذيين في حاجة إلى إتباع ثلاث خطوات كقادة الفكر والثقافة وهى: تذكر، وأعد التذكير، واستدعي القصص والروايات عن شخصية المنظمة وقيمها. وبذلك تقوم بخلق وعي مشترك والتزام من جانب الموظفين.800px-Martin_Luther_King_Jr_NYWTS

وفقا لرشورث كيدر – أفضل مؤلف كتب ورئيس المعهد العالمي للأخلاقيات- فإن السبيل الوحيد للخروج من فوضى عدم الثقة بالنسبة للقادة هو بناء ثقافة النزاهة والشفافية داخل منظماتهم. ومن خلال العمل مع كبار المديرين التنفيذيين في جميع أنحاء العالم، قرر كيدر أن الأساس لثقافة النزاهة يتطلب أن يتحلى قادة الشجاعة ليكونوا صادقين، ومسئولين، ومحترمين، وشفافين، وعطوفين.

ولكي تكون القيادة من منظور أخلاقي “عملة للعالم” ، يجب أن يلتزم القادة بخلق ثقافة تستند إلى القيم داخل منظماتهم على أساس هذه المبادئ. ويجب على القادة أن يدركوا أن تكريس الوقت والموارد لبناء ثقافة الثقة سوف يكون له تأثير يتجاوز حدود خططهم.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.