“مقال مترجم من مجلة The Strategist إحدى إصدارات الجمعية الأمريكية للعلاقات العامة”
عندما يختار أي شخص سواء كان نجماً سينمائياً أو بطلاً رياضياً أو رئيساً تنفيذياً دخول الحياة العامة، فإنه يضطر إلى الموافقة ضمنيا على التخلي عن قدر كبير من خصوصيته. وبينما يتوقع نجوم السينما مقاطعة مصوري الشهرة والفضائح لهم في حفلات العشاء، يعلم كبار المسئولين التنفيذيين أيضا أن خصوصياتهم قد تصبح ضحية للشهرة.
ويكتشف معظم الرؤساء التنفيذيين الآن أن وسائل الإعلام لا تكتفى بنشر تقارير عن أنشطتهم في صفحات الاقتصاد والأعمال ولكن أيضا في أعمدة النميمة. وتتراوح هذه الموضوعات ما بين حالتهم الصحية وحتى الفضائح الجنسية، ويؤثر الكشف عن الحياة الخاصة للشخصيات العامة سلباً على سمعة شركاتهم وآداء أسهمها وخصوصا عندما تتعامل المنظمة مع موقف بشكل سيء.
إن الاقتراب من هذه المنطقة الحساسة تشكل تحدياً لممارسي العلاقات العامة لأن الرئيس التنفيذي كثيراً ما يرفض تلقى أو الاستماع لنصيحة تتعلق بالمسائل الشخصية وخاصة من موظف، ومع ذلك فإنه يحتاج إلى مثل هذه النصائح لحماية مصالح الشركة.
الحالة الصحية غالبا ما تكون قضية حاسمة:
ويمكن أن نضرب على ذلك مثالين جرت أحداثهما فى اثنتين من كبريات الشركات العالمية وهما آبل، وسارة لى، أثرت خلالهما المشاكل الصحية لمديريها التنفيذيين وتسبب الفراغ المعلوماتى فى إحداث حالة من القلق لدى المساهمين بها.
وبالنسبة لآبل فقد قامت خلال الأعوام الثلاثة السابقة على وفاة مديرها التنفيذى ستيف جوبز بإخفاء وتحريف طبيعة وشدة المرض الذى ألم به، وأعلنت فى فترات مرضه أنه يأخذ اجازات للتركيز على حالته الصحية ولم تعط أى مؤشر حول خطورة حالته أو حتى موعد عودته لممارسة عمله، مما فتح الباب أمام تساؤلات تنم عن قلق بالغ من قبل المساهمين والموظفين.
وفشل المسئولون أيضا بشركة ساره لي أيضا في معالجة المسألة المتعلقة بمرض رئيستها التنفيذية السابقة بريندا بارنز، وحاول البعض استغلال هذه الأزمة لتقسيم الشركة أو الحصول على ما يتسنى لهم من أسهم. وزاد الأمر سوءا بيانا أصدرته الشركة فى مايو من عام 2010 نزولاً على رغبة بريندا فى اجازة طبية مفاده: “نتمنى الشفاء العاجل لبريندا، ونتطلع إلى عودتها، وأننا لن نصدر أية تصريحات مستقبلاً احتراما لخصوصيتها”.
تركت بارنز الشركة بقيمة سوقية بلغت حوالى 10 مليار دولار ومبيعات سنوية تقدر بنحو 12 مليار دولار، و41 ألف موظف. وبالتأكيد كان هناك كثير من المتضررين من هذا البيان المكون من جملتين. وفى يونيو من العام نفسه أعلنت الشركة أن بارنز قد تنحت نهائيا عن رئاستها بعد حياة مهنية متميزة وذلك حتى وفاتها بسكتة دماغية. واستغرق الأمر من مجلس الادارة خمسة أشهر لايجاد خلف لها فى المنصب توالت خلالها نزيف الخسائر وترك ذلك لدى المستثمرين انطباعا بأن شركة ساره لى هى منظمة بلا دفة وأن استثماراتها هشة.
الحالة الصحية ليست هى العامل الوحيد:
وتتوالى الكثير من الأمثلة على ما يمكن أن يتعرض له المدير التنفيذى وشركته أيضا من أزمات وهزات نتيجة للتداخل والارتباط الوثيق بين حياته الشخصية والمهنية. فهناك حالات يكون للناس الحق فيها المعرفة بأن الرئيس التنفيذى يمر بأزمة الطلاق المؤلمة، أو أنه يتعاطى الكحول أو المخدرات، أو فضائح الاحتيالات المالية وتزوير التقارير وما إلى ذلك.
ويمكن لأي من هذه الأزمات أن تؤثر على قدرة المدير التنفيذى على قيادة دفة الأمور فى شركته والاستمرار في منصبه حيث أن هناك خيط رفيع يفصل بين ما هو خاص وبين ما يستحق أن يعرفه المستثمرون. إن توافر النذر اليسير من المعلومات أو إعطاء معلومات مضللة يمكن أن يشكل عبئا ثقيلا على سمعة الشركة حيث يسمح ذلك بأن تقوم وسائل الاعلام والجمهور باختلاق أحداث وأخبار ونظريات لا أساس لها من الصحة عن الكيانات المؤسسية التى يعانى كبار المسئولين بها من مثل هذه الأزمات.
وتبدو المسألة أكثر عمقا إذا ما بحثنا فى العلاقة بين ممارسى العلاقات العامة والادارة العليا فى وقت حدوث مثل هذه الأزمات حيث نجد أن الادارة العليا غالبا ما ترفض السماح للمتخصصين فى مجال العلاقات العامة بالاجابة عن التساؤلات التى كثيرا ما تضع الشركة ورئيسها فى موقف لا يحسدان عليه. كما يصعب تحديد التوقيت الذى ينبغى أن يتم الكشف فيه عن مثل هذه الأزمات.
وتثير هذه الأشكالية عدداً أخر من التحديات حول من له الحق من أفراد الجمهور فى المعرفة بمثل هذه الأزمات، وإلى أى مدى يجب أن تذهب إدارات العلاقات العامة فى المنظمات عندما يتعلق الأمر بحماية سمعة وخصوصية الرئيس التنفيذى، وهل ينطبق ذلك على من يقود منظمة ضخمة ولكنه غير قادر على تأدية مهامه ولو لفترة مؤقته.
والشئ الوحيد والمؤكد فى هذا السياق أنه إذا كان هناك ثمة خبر سئ فينبغى أن يصدر من الشركة وليس عن طريق أطراف ثالثة وبخلاف ذلك فيمكن للقصة أن تنتشر وتخرج عن نطاق السيطرة.
إدارة الأزمة ودور العلاقات العامة:
وللخروج من هذا النفق المظلم لمثل هذه الأزمات يجدر بالمختصين فى مجال العلاقات العامة الالتزام بعدد من المبادئ الأساسية عند التعامل مع القضايا التى تخص قادة شركاتهم وهى:
أولاً: لا تكذب وابتعد عن الخداع والتضليل أكثر من أى وقت مضى.
ثانياً: اعطاء بعض المؤشرات عن مدى خطورة الوضع أو المشكلة والمدة الزمنية التى سيتم ايجاد حلول خلالها.
ثالثاً: توفير بعض التفاصيل حول ما إذا كان الرئيس التنفيذى لشركة سيقوم بإدارة انشطة الشركة فى خلال تلك الفترة وإلى أى مدى.
رابعاً: فى حالة تغيب الرئيس التنفيذى عن آداء مهام عمله ينبغى ذكر من سيتم تفويض المسئولية إليهم.
خامسا:ً منح الضمانات وخاصة تلك الصادرة من الرئيس التنفيذى بأن المبادرات الرئيسية لمنظمة ستواصل المضى قدما فى هذه الأثناء.
وقد لخص وارن بافيت، الرئيس التنفيذى لشركة بيركشاير هاثاواي، الأمر خلال مقابلة له مع محطة سى إن بى سى فى 24 يونيو من عام2009 بقوله: ” اذا كان لدى مرض خطير، أو جراحة أو شئ من هذا القبيل فأعتقد أن ما يمكن فعله فقط هو أن أخبر المساهمين فى بيركشاير عن الموضوع. وعندئذ سيظن بعض الناس أننى مهم للشركة إلى حد ما”. وهذا ما جرى بالفعل مع بافيت وكان له ما أراد.