غالباً ما تثار نقاشات مستفيضة حول موضوعات التطوير المؤسسي سواء بالتحول باتجاه رقمنة العمليات ودعم الابتكار وغيرها من المنهجيات التي تقوم على ضخ استثمارات، و توظيف تكنولوجيات متطورة، ومهارات بشرية مدربة على ذلك. ويفترض لتحقيق هذا النوع من التحول إيجاد رؤية استراتيجية جديدة يصلح ادماجها في خطط الأعمال لتحدث نقلة نوعية في تنفيذ مهام العمل اليومية وبالتالي تحويل مسار المؤسسة ككل
لتشهد ما يسمى بالطفرة البنائية Disruptive
وتعاني معظم مؤسسات الأعمال من العديد من الفجوات من حيث عدم القدرة على صياغة التوجه الاستراتيجي الملائم لطبيعة المؤسسة أو عدم قدرتها على الاستعانة بالتقنيات المتطورة والملائمة لتنفيذ الاستراتيجية أو ضعف مستوى الموارد البشرية بالمؤسسة أو نقص وعيهم بأبعاد هذا التوجه الاستراتيجي أو عدم تخصيص القدر الكافي من الميزانيات التي يمكن استثمارها وقياس العائد على الاستثمار بها
وذلك إلى جانب عدد أخر من التحديات المتعلقة بإنتاج استراتيجية داعمة للابتكار والتحول الرقمي التي يمكن أن نراها بوضوح في دراسة مسحية صادرة عن شركة “سى بى انسايت” المتخصصة في مجال تحليل البيانات واستخدام التعلم الآلي والخوارزميات ومقرها نيويورك، بعنوان “حالة الابداع”، تم اجراؤها على 677 من المدراء التنفيذيين في مجال التخطيط الاستراتيجي
وتعمل هذه المؤسسة المدعومة من مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية وجمعية مستثمري رأس المال المغامر، على إنتاج البيانات والمعرفة الموجودة في براءات الاختراع، وتمويل رأس المال المغامر، وعمليات الاندماج والاستحواذ، والتوظيف، ومواقع الشركات الناشئة والمستثمرين، وتحليل مشاعر الجمهور حول الأخبار، وغيرها الكثير. وتركز على العديد من المجالات التكنولوجية مثل تكنولوجيا “سلسلة الكتل” بلوك تشاين والذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة
وتشير الدراسة إلى أن معظم المسئولين الاستراتيجيين “عينة الدراسة” يناقشون موضوعات الابتكار ولكن لا يسرعون الخطى في تنفيذها حيث قال 84.9٪ منهم أن الابتكار مهم جدًا، ولكن 78٪ من العينة يركزون على احداث تغييرات تدريجية. وتشير الدراسة إلى أنه جزء
من السبب وراء الطبيعة التدريجية للابتكار هو أن المصادر الأساسية للابتكار هي العملاء الحاليين والموظفين
وبينما تحتل الشركات عالية الأداء الصدارة في تبنى وتنفيذ المشاريع الإبداعية ونشرها، إلا أن هذه الوتيرة تسير ببطء وذلك لأنهم يفضلون بناء المنتجات من الصفر حيث تقول 60٪ من الشركات إن الأمر يستغرق عامًا أو أكثر لابتكار منتجات جديدة، بينما يقول ربع هذه العينة تقريبًا إن الأمر يستغرق عامين من التفكير إلى إطلاق المنتج
وتتبني الشركات عالية الأداء ثقافة الابتكار عبر مختلف الوظائف. ومن الناحية المالية، فإن استثماراتها في مشاريع ابتكارية تكون مدفوعة بشهية عالية للمخاطر حيث تركز الشركات ذات الأداء المرتفع بمعدل الضعف مقارنة بنظيراتها الأقل في معدلات ادائها على الاستثمار في المشاريع الإبداعية من منطلق المخاطرة. فيما تقوم 78 ٪ من هذه المؤسسات بتخصيص ميزانيتها للابتكار في التحسين المستمر للعمليات والمنتجات الموجودة بالفعل
وعلى الرغم من أن معظم الشركات تركز على تحقيق ثبات الوضع الراهن بدلاً من المخاطر البنائية فإنها تؤكد أنها تهدف إلى تحقيق الإيرادات من خلال تحسين المنتجات والخدمات الحالية، وتحقيق الإيرادات عن طريق إطلاق منتجات وخدمات جديدة، وتحسين مستوى رضا العملاء، وتحسين الفعالية التشغيلية/ الإنتاجية، وتخفيض تكاليف المنتجات والخدمات الحالية
وبينما تضع الشركات الكبرى، ولا سيما تلك التي تدر عائدات تزيد عن 10 مليارات دولار، أهمية قصوى على الابتكار، تتخذ الشركات وجهة نظر منعزلة حول كيفية إطلاق المشاريع الإبداعية حيث تزيد احتمالية بناء شركاتهم لمنتجات جديدة بدلا من شرائها أو التعاون مع شركات أخري لتطويرها
تفتقر الشركات إلى الثقة في قدرتها على الابتكار حيث يصبح الانتقال تدريجيا أكثر صعوبة تدريجيا من مرحلة صياغة فكرة المنتج وتطويره وصولا إلى التسويق. بشكل عام، افتقر المبحوثون إلى الثقة في قدرتهم على الابتكار عندما سئلوا عن: “ما مدى فعالية شركتك في كل مرحلة من مراحل الابتكار التالية؟”
وعلى الرغم من أن معظم الشركات لا تملك عملية محددة للابتكار، إلا أنها تركز على قياسها حيث تقوم 71 ٪ من الشركات بتقييم الابتكار كميا، وذلك باستخدام مقاييس قصيرة الأجل في المقام الأول. ومن بين أولئك الذين يقيسون الابتكار، تم تحقيق 85٪ من عائد مقياس واحد على الأقل من مقاييس النجاح. وتحققت نصف النتائج عدد المشاريع المنجزة وبالنسبة لمستوى رضا العملاء، وأن من يعتمدون على معايير نوعية يعتمدون على حوالي 2.9 فقط من المعايير التي يحددونها لتقييم مشروعاتهم
ومن بين أبرز المجالات التي شهدت طفرات بنائية وفقاً للدراسة، مجال الخدمات المالية، وخدمات الأعمال، وتكنولوجيا المعلومات، وعلوم الحياة، والتأمين، والتصنيع، الطاقة والمرافق، والتجزئة، والاتصالات، والاعلام، والتعليم، والنقل، والسلع الاستهلاكية وغيرها