معضلة التنوع الثقافي .. “بُعد جديد”

“تمكنت المنصات الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي من سد الفجوة الزمنية والمكانية لإيجاد عالم جديد، لكن هل يوفر هذا العالم –الجديد- التنوع الثقافي اللازم لخلق الاستدامة الاقتصادية المطلوبة بما يعزز التجارة والاستثمار في جميع أنحاء العالم؟.”
الجواب هو “إنه جسر بعيد للغاية بالنسبة للبشرية جمعاء.. وموضوع على درجة من الأهمية للمؤسسات الدولية والحكومات ورجال الأعمال وقادة الفكر ومراكز البحوث، ويصعب التنبؤ به”.
نرى، اليوم، كيف شكَل فيروس كورونا إنذارًا مذهلاً في مواجهة النظام الصحي العالمي وتطبيقاته التقنية، منذ أن دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر في أوائل عام 2020، وبدأ تحدي العثورعلى ترياق لهذا مرض الفتاك.

التكنولوجيا الحيوية وسياسة الرعاية الصحية والاستثمار كنموذج:

أفترض أن “منظمة الصحة العالمية” يمكنها تقديم إجابة عن طريق تحديد إستراتيجية سياسية دولية واحدة، وسياسة التدابير المضادة العالمية للمرض والاستثمار الضروريين لإجراء مشاريع البحث والتطوير في مجال البحث والتطوير.
ولتحقيق هذا الهدف، يمكن أن تقوم “منظمة الصحة العالمية” بتنظيم ملتقى، بطريقة “دعوة للعمل CTA” من خلال دعوة ممثلي الحكومات وصانعي القرار لصياغة جدول أعمال واحد على المستوى الدولي وخاصة للمواقع المصابة في الصين وبلدان أخرى.
يمكن لمنظمة الصحة العالمية استخدام قواعد البيانات التي لا نهاية لها من اللاعبين الرئيسيين في قطاع التكنولوجيا الحيوية العالمية، وشركات الرعاية الصحية، ومختبراتها. المنظمات الدولية والجهات المانحة لتوفير تمويل البحوث.
البحوث المنشورة وتطبيقاتها ستمهد الطريق لإحتواء المرض وإيجاد الطريقة المناسبة للتعامل مع الخسائر البشرية. ومن خلال القيام بذلك، سوف نكون قادرين على تتبع التغييرات والتحديات المتعلقة بانتشار المرض، وتطوره، ودرجة المخاطر.
ويمثل المقترح السابق نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الأمور إذا ما بدأنا العمل سويا على إيجاد حلول للتحديات العالمية مثل الكوارث الطبيعية والحروب والأزمات الإقتصادية.. لكن ما حدث في عالم الواقع كان مختلفا فقد تسبب الفيروس في خلق حالة من القلق، غير المبرر في كثير من الأحيان، مما دفع المستثمرين إلى العزوف عن ضخ استثماراتهم في البورصات العالمية.. ففي مثل هذه الحالة يبدو التحفظ هو “سيد الموقف”.

المستثمر المستدام والمضارب.. الرابحون في أزمة التنوع:

نبهت في مقالي السابق إلى حالات “المبالغة” التي تعزز حالة “الإنكار”، والتى لم أستثني منها قادة الأعمال والمستثمرون، حيث يخلق الذعر قرارات خاطئة وإن كانت قضية كارلوس غضن الرئيس التنفيذي لشركة “رينو” هي النموذج الأبرز على ذلك.. ولكنها ليست الوحيدة.
ففي حالة فيروس “كورونا”، يمكن التمييز بين المستثمر “المستدام” و”المضارب”.. وحاجة إقتصاداتنا وخاصة في الدول النامية إلى المستثمر المستدام هي الأقوى، لأنهم هم من سيحملون العبء الأكبر خلال السنوات العشر المقبلة.
وفي ظل وجود وتنوع هذه القاعدة من المستثمرين ذوي الطبيعة “المستدامة” يمكن تقييم التجارب التنموية للدول بشكل صحيح، لذا ينصح بإدماجهم في هذه الخطط بشكل مقبول، وعبر برامج مناسبة، وذلك لضمان تنوع ثقافي يمكنه خلق “بيئة تنافسية” يضمن نصيب من السوق للكيانات الصغيرة ويسمح لها بأن تنمو وتتطور وتصبح كيانات عملاقة.

البريكست.. ليس نهاية العالم:

وفي ظل الطبيعة المتوازنة للمستثمر المستدام، سنجده دائما ما يواجه المستثمر المضارب بطبيعة تفكيره النمطية التي تفضل الحركة وإتخاذ قرار الاستثمار وفقا لمسار الأحداث الجارية وما يتم نشره من تقارير إعلامية إقتصادية تتحدث عن معدلات الفائدة، والتضخم، وحركة السوق العالمية ولكن لا يستطيع أن يفسرها إلى سيناريوهات عمل صحيحة وذات مردود على المدى البعيد.
لن يكون فيروس “كورونا” أو “البريكست” أو التغيرات المناخية.. وغيرها من الأحداث “نهاية العالم”.. بل يمكن أن نعتبرها محطات للتغيير ولإعادة النظر في طريقة تفكيرنا في الأزمات والإستراتيجيات التي نعتمدها لإيجاد الحلول، وفرصة جديدة لفهم الأخر ولخلق حالة التعايش الإنساني.
لكن ذلك لا يعني أن حالة الصراع ستنتهي بشكل كامل لكن شكلها ومساراتها ستكون مختلفة. وفي عالم الأعمال، لن يكون الأمر يسيراً.. السهل الممتنع، تسود فيه “العملة الجيدة” وتتراجع العملات الرديئة.
وستستطيع النماذج المتميزة من أن تتقدم الصفوف بعد أن تبلور الشكل الذي ستكون عليه الحياة في المستقبل، وبناءاً على ما تمتلكه من طموح وعلم وخبرة وفهم لأبعاد المشكلات الحالية بعيدا عن التحليلات الزائفة أو المضللة.


“جرأة الفكر”.. إضافة جديدة للواقع العملي:


ولمن لا يستوعب دروس الماضي جيدا، فإن جرأة الفكر تمثل إضافة جديدة للواقع العملي، حيث أنها تضيف بعداَ جديداَ للقضايا العالمية محور النقاش، يحترم قيمة الإختلاف على أساس من مواقف ثابتة.
ويكفي لنعرف متطلبات مهمة “قيادة الفكر” في مجال ما، أن نضع القواعد والأسس بناءاَ على دراسات متعمقة تستلهم من حقائق الحاضر رؤى جديدة حول “القيم العالمية” من خلال طرح الموضوعات المحورية على طاولة البحث والمناقشات المستفيضة قبل إتخاذ قرارات حاسمة وفي الإتجاه الصحيح.

” معركة عادلة وفرص متكافئة”:

وليس عليك أن تحزن عزيزي المستثمر – في كل الأحوال- على فقدان الفرص حيث “لا يفيد البكاء على اللبن المسكوب”.. فبعض تلك الفرص لم تكن مقدرة لك (إما انتهت مدتها، أو لم تكن حقيقية، أو لم تتناسب مع قدراتك).
ومهما اختلفت الأسباب والدوافع والنتائج، فعليك أن تسعد أيضاَ بالفرص التي استطعت اغتنامها.. وأن تتذرع بالقدرة على التجديد، مهما كانت الانتقادات، حتى تتمكن من خلق قصص نجاح أخرى صادقة وبرؤى مختلفة. وهكذا يمكنك أن تبني شخصية متجددة على المستوى الإنساني، وعلامة تجارية ليس لها نظير.
بالطبع، لا أحد يحب أن يخسر حياته ليدافع عن قضية مهما كانت “عادلة” في ظل فرص غير متكافئة. لكن لا بأس من محاولات جديدة حتى نصل إلى نتائج مرضية. بغير ذلك، نكون قد أخطأنا وجهتنا العقلية والعاطفية، لأننا سنجد في النهاية أن الحياة لن تسير بنا في نفس المسار، ولن نحقق جميعا نفس النتائج. لكن النتائج المتميزة تسود في النهاية.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.