تبرز الحاجة إلى إعادة هيكلة مفهوم السيادة والهوية القومية – في مرحلة ما بعد كورونا- بما يسمح بتعزيز وتعميق التواصل بين الدول ومواطنيها من خلال خلق تعديلات جوهرية فى الأنظمة السياسية التي لم تعد صالحة للعمل -وخاصة فى دول الخليج العربية والتي تعاني في كثير من التصنيفات الائتمانية نتيجة لهذا الغموض- وتطويرها لتتواكب مع المستجدات التي ستطرأ في مرحلة ما بعد الأزمة، ولتضمن مزيد من التماسك والاستقرار في الأنظمة الحاكمة وخاصة في الأقاليم التي تمتاز بنوع من الهشاشة والضبابية في التعامل مع اجراءات انتقال السلطة، والأليات اللازمة لتحقيق الانتقال بشكل في الممارسة العملية السياسية

والقول بأن هذه الأزمة ستمر سريعا هو قول مجافي للحقيقة تماما، فقدر الخسائر الذي تعرض له الاقتصاد الدولي بشكل عام والاقتصادات المحلية وخاصة بالنسبة لقطاع الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، يفرض تحديث المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي لخطط التنمية المستدامة على المستوى الدولي، في الوقت الذي ستعمل فيه على توجيه الدول إلى إعادة صياغة أنظمتها الاقتصادية على المستوى الوطني، وتحديث أنظمة دعم هذه الشركات لتتمكن من تحقيق الفوائض السنوية اللازمة لتحقق مبدأ الاكتفاء الذاتي من السلع والمنتجات التي تمس حياة المواطن في أوقات الأزمات
وفي حالة استمرار التعامل مع هذه الأزمات بنفس الطريقة فإن الدول المتقدمة ستكون أكثر المتضررين من نتائجها التي ليس أقل منها إعادة هيكلة بنيتها البشرية حيث تزداد بها معدلات وفيات كبار السن كما سيحل محلها عملية توطين للاجئين، وبالتالي ستفقد تدريجيا هوياتها الوطنية وستصبح أقل مناعة في مواجهة الأفكار المتطرفة

على الصعيد السياسي
ولتكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورا محوريا في هذا الشأن بحيث لا تصبح الدساتير مجرد وسيلة لانتقال الحكم فقط كالآتي
بعد بيان الأهداف الاستراتيجية التي يتم على أساسها عمليات كتابة الدساتير وتعديلها بما يضمن توافق الدستور مع الأسس والمحددات المتعارف عليها في مجال العلوم السياسية للدولة من حيث حدودها، وتراثها القومي وهياكلها الأساسية، والشكل العام لأنظمتها السياسية، ولحكوماتها، وأنظمتها البرلمانية، والحزبية بما يضمن المزيد من المشاركة، والتشبيك بين المواطن وقطاعات الدولة
إدماج الدساتير والقوانين وتعديلاتها بعد جمعها، وتصنيفها، وتكويدها، ورقمنتها، وحمايتها باستخدام تطبيقات ونظم لحماية حقوق الملكية الفكرية وبحيث يتم ضمان تسييل محتواها في منظومات متكاملة من البلوكتشاين والذكاء الاصطناعي
ينبغي أن تفسح الأنظمة التكنولوجية المقترحة أيضا المجال أمام تضمين الدساتير السابقة، والتشريعات المرتبطة بها وتعديلاتها –إن وجدت- بما يجعل التأريخ الدستوري والقانوني أحد الأسس التي يتم على أساسها تقييم الأصول الرقمية للدولة بحيث يمكن إدماجها في منظومة التنمية الشاملة والمستدامة
سيرتبط مفهوم تعزيز السيادة الوطنية في مرحلة ما بعد كورونا خلق أنظمة وتطبيقات تكنولوجية في مجال إدارة الثروات والموارد الطبيعية بما يجعل سلاسل التوريد والامداد المحلية أكثر قابلية لمواجهة حالات تقطع سلاسل الإمداد والتوريد الدولية، وبالتالي ضمان قدر من الاستقلالية والاستقرار وعدم حدوث أزمات في عمليات الانتاج
وفي هذه الحالة، لن تحتاج الدول إلى الاقتراض وخطط التحفيز الاقتصادي لحماية القطاعات الرئيسية المتضررة بها جراء الأزمات الطارئة. سيتوقف التصدير فقط ولكن ستستمر الأسواق في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الخام الأولية والسلع الاستراتيجية
لضمان تحقق مفهوم “الأمن الاجتماعي” لابد من خلق استراتيجيات وتكنولوجيات وأنظمة مالية مجهزة مسبقا وموثوق بها ومرنة للقطاعين الصحي والمعاشات بما يسمح بنشر نظام توصيل الدعم النقدي في مجال الرعاية الصحية والفئات الإجتماعية الأكثر تضررا
يشترط نظام التأمين الاجتماعي في حالات الأزمات يجب تصنيف أنظمة الدعم الصحي والمعاشات وفقا لنظام قاعدة الهرم المقلوب حيث توضع الفئات الأكثر فقرا على قمة هذا الهرم بحيث أن تحصل على القيم المالية الأعلى. وينطبق ذلك النموذج على الشركات متناهية الصغر، والصغيرة، والمتوسطة والكبيرة
على الصعيد الاقتصادي
ضرورة أن تكون خطط التحفيز من البنوك المركزية في البورصات والأسواق المالية موجهة للكيانات العاملة بالقطاعات الاستراتيجية الرئيسية محور الأزمات التي تمتلك نظم توريد مستقرة على الصعيد المحلي أكثر استقرارا، وكذلك المعاملات المالية، والضريبية، المرتبطة بها
ضرورة عدم تحميل القطاع المصرفي ما لا يطيق في مثل هذه الظروف بإشراكه في أنشطة استثمارية مضاربية بما يؤدي إلى رفع الدين المحلي من الحكومة للبنوك، والاهتمام بدلا من ذلك بتحفيز البنوك على الاستثمار في المجالات الانتاجية في القطاعات المشار إليها وتم كتابتها ضمن النقاط الواردة فيما بعد
خلق معايير الاستدامة على المستويين المحلي والدولي لن يتحقق سوى من خلال تفعيل الآليات الكفيلة بوضع نظام محكم للعلاقات العامة والترويج بما يمهد السبيل أمام ازدهار الأنشطة الاستثمارية الخاصة بالشركات العاملة في مجال تطبيقات الصحة والتعليم في مستوى متقدم في مؤشرات الأسهم العالمية والمحلية، بحيث تصبح الحائط الذي تستند إليه اقتصادات الدول المتقدمة والنامية على السواء في أوقات الطوارئ والأزمات الدولية والمحلية
الإهتمام بالأمن الزراعي بما يسمح بتطور الأنشطة الزراعية، والصناعات التحويلية والشركات المرتبطة بها، وكذلك الصناعات الاستراتيجية المرتبطة بالأمن الغذائي وكذلك التداولات عليها في البورصة. يتضمن هذا المفهوم أيضاَ دعم الشركات الزراعية العاملة في توفير خامات انتاج المستحضرات الدوائية المرخصة بحيث يقل الاعتماد على المركبات الكيماوية في عمليات انتاج نظرا لتكلفة استيرادها العالية خلال أوقات الأزمات، ووجود تأثيرات جانبية جراء استخدامها
للاستثمار في السندات، والطروحات الحكومية، والاكتتابات العامة ينبغي إعداد وثائق للوقاية من المخاطر بما يمنح ضمانة للمستثمر الأجنبي ولحفزه على توطين استثماره بعيدا عن فكرة الأموال الساخنة، وبدلا من أن تقع مصادر التمويل كلها فريسة لصناديق استثمار يتم نهبها نتيجة لحالة الهلع التي تؤججها التقارير الإخبارية والشائعات التي يتم تداولها في أوقات الأزمات وتتأثر بها الأسواق العالمية. ويمثل ذلك الأسلوب وسيلة اقناع ناجعة
وضع ضوابط للاستثمار في مثل هذه الصناديق على المستوى الدولي، والوطني، وآليات جديدة للرقابة على أنشطتها باعتبارها ملكا للأجيال القادمة، وضمانا لتحقق التعادلية المطلوبة في أنشطة الاستثمار بين ضخ الاستثمارات، والرقابة على إنفاقها من خلال هياكل لا تخضع لسلطة مباشرة للدول والحكومات، ولا تكون هادفة للربح في حد ذاتها، ولكن أن يكون هدفها الحفاظ على الثروة والسيطرة على تدفق السيولة على المستويين المحلي والدولي
وبالطبع، سيستغرق الأمر وقتا أطول بكثير من تقديرات المنظمات الدولية التي لم تكن مجهزة بشكل أو بآخر للتعامل مع مثل هذه الصدمة بالغة السوء.
اليوم تأثرت سلاسل الإمداد بشكل كبير، ومعها قيمة النقود وكذلك الطلب على السلع والخدمات الأساسية، وبالتالي.. فإن ابتكار نماذج جديدة لسندات وأسهم مرتبطة بالمشروعات القومية سيكون له بالغ الأثر على المستوى الدولي في عودة السيولة للسوق وتعظيم القيم السوقية وتغطية ديون الدول غير القادرة على الوفاء بإلتزاماتها في مثل هذه الأوقات
إن التوجه نحو التحوط باستخدام الذهب لن يخدم أهداف التنمية المستدامة على المدى الطويل لكنه سيسهم، إلى حد ما، في التقليل من الآثار السلبية لانهيار قيمة العملات التقليدية نتيجة مضاربات الأسواق المالية والأسهم والسندات، وكذلك التوجه نحو التداول على العملات الرقمية مثل “البيتكوين” وما ينطوى على ذلك من مخاطر على تدهور السيولة النقدية في مختلف الأسواق
كل ذلك مرجعه إلى أن اتفاقية “بريتون وودز” المنظمة لأسواق النقد والتجارة العالمية أصبحت غير قادرة على مواكبة مجريات التطور التكنولوجي الذي طرأ في جميع أنحاء العالم، وهو ما برز بشكل أوضح في الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 وفي الأزمة الحالية، والمقدر لها أن تستمر لفترة أطول
يندرج هذا النموذج فى اطار ما يسمى ب#الاشتراكية الجديدة