قانون التصالح في مخالفات البناء.. سيف العدالة في سوق راكد!!

تصدُر القوانين لحماية وحفظ حقوق الدولة والمواطنين أيضاً، وهو أمر لا خلاف عليه غير أن الحد الفاصل في سريان مفعوله ودوره في تحقيق العدالة الناجزة التي ننشدها جميعاً هو طريقة التنفيذ.

أقول ذلك بعد أن وقفت مشدوهاُ أمام كم مخالفات البناء التي يتم تحريرها ضد المقاولين والقائمين على تنفيذ مشروعات البناء.
من بين تلك الحالات حالة تعرض فيها أحد الأصدقاء العاملين، وحاليا الكثيرين منهم، في مجال المقاولات والإنشاءات إلى عدد ضخم من المخالفات التي تم تحريرها ضده ليصل إجمالي مبالغ تلك المخالفات إلي حد “خراب البيوت”.

نقلا عن موقع ايكونومى بلس


وبالطبع، فإنه لدي تحرير تلك المخالفات يتم تقديرها على أقصى قيمة دون الوضع في الإعتبار أن كثيراً ممن قاموا بأعمال البناء حصلوا على قروض من البنوك لإستكمال مشروعاتهم أو أنهم دخلوا في شراكات كانوا مطالبين فيها أمام شركائهم بإلتزامات أكبر من إمكانياتهم على أمل تحقيق مكاسب لتعويض خسائرهم من حصيلة ما سيتم بيعه من وحدات سكنية ومحلات تجارية.


وعلى الرغم مما حدث من توسعات في مجال البنية التحتية على مستوى الدولة خلال الأعوام العشرة المنقضية من حيث تحديث شبكة الطرق، والكباري، والتوسع في إنشاء المدن الجديدة ليصل حيز المد العمراني إلى ثلاثة أضعاف ما كنا عليه منذ عهد مبارك غير أن تلك التوسعات جاءت في ظل تغيرات سياسية حادة على المستوى الداخلي وعلى الصعيد الدولي أيضاً.


فكانت عمليات البناء في كثير من الأحيان بالمخالفة للقانون أو أن يتضمن البناء الذي يتم تأسيسه من حيث الموقع أو عدد الأدوار أو عند الحصول على تراخيص توصيل المرافق اللازمة لإستكمال الإنشاءات أو البدء في إشغال هذه المباني.


تمت معظم هذه المخالفات في غياب تام لسلطة الدولة، أو في ظل فساد إداري تربح منه الكثيرون من معدومي الضمير خدمة لمصالحهم الشخصية. ومع تفاقم المشكلات المتعلقة بعمليات البناء حدثت “اليقظة الفجائية” لأجهزة الدولة والتي بدأت بإجراءات إزالة لكثير من المباني، والأدوار المخالفة وهو الأمر الذي أثار إمتعاضاً في المحافظات المكتظة بالسكان وتم فيها البناء على أراضٍ زراعية.


وكانت النقطة المثيرة للجدل في هذه الحالة تتمحور حول مدى الإستفادة التي حققتها الدولة من إزالة هذه المباني دون تغريم المخالفين، وأن الأراضي الزراعية التي تم البناء عليها لم تعد صالحة للزراعة مرة أخرى. وبعيداً عن الخسائر التي حدثت لمن قام بالإنشاء، تنبهت الدولة إلى أنها خسرت مرتين.


وبعد إعادة دراسة الموقف مرة أخرى- ولكن كالعادة ببطء شديد- تقدمت الحكومة العام الماضي بنص مشروع للتصالح في مخالفات البناء، وأقره البرلمان في مطلع العام الحالي ليصبح ساري المفعول.

وتضمن العديد من النقاط المضيئة من حيث منعه للتصالح في حالات معينة تمثل إنتهاكاً صارخاً لقوانين البناء من حيث معايير سلامة الأبنية، ومعايير ملكية الدولة، وحماية الآثار، ونهر النيل وغيرها وهي أمور بديهية لا يختلف عليها أحد.


غير أن إقرار القانون وتفعيله جاء في توقيت يعلم فيه الكل حالة الركود التي تضرب سوق العقارات في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وفي مصر بصفة خاصة من حيث تدفق السيولة، وعمليات التشغيل ليعود المقاول أو صاحب العقار المخالف وجهاً لوجه أمام سلطة الدولة من ناحية، وإلتزاماته المادية المتراكمة أمام الشركاء والبنوك من ناحية أخري، وحالة سوق العقارات من ناحية ثالثة.


إن هذه التحديات قد تفرض على البعض التسليم بالأمر الواقع من أنه لا أمل في وجود حل لهذه المعضلات المتراكمة فيحجم عن دفع الفواتير المتراكمة من الغرامات والمخالفات، وإتمام مشروعاته في ظل إرتفاع أسعار مواد البناء والتشطيبات، ويستعد لـ”دخول السجن من أوسع أبوابه”.
وفي هذه الحالة، لن يتم سداد إلتزامات الدولة، والمواطنين، والبنوك مما سيحدث المزيد من الكساد في سوق العقارات وستقبع شريحة ليست باليسيرة من هؤلاء المخالفين في غياهب السجون، أو أن تكون هناك حلول وبدائل أخرى تسمح فيها الدولة بقدر معين من التسهيلات تساعد المتعثرين على سداد هذه المخالفات وجدولة مديونياتهم وخلق مورد غير محدود من التمويل للدولة.


ويظل هذا البديل هو الحل الأفضل في ضوء توافر التكنولوجيا التي تُمكِن الدولة من خلق قاعدة بيانات بمرتكبي هذه المخالفات، وتقييم حالاتهم وفقاً لعدد من المعايير التي يضعها لجنة من المتخصصين في مجالات الإنشاء والتمويل والوثائق المعضدة لذلك، ثم تصنيفهم في شرائح تحدد الأقساط الواجب دفعها لكل شريحة، والسماح بإيداع قيمة هذه المخالفات في حسابات بنكية البنوك أو تحصيلها بأنظمة الدفع الالكتروني، عن طريق بوابات أو تطبيقات جديدة، وأن يتم إصدار رخص البناء ألكترونيا دون الحاجة إلى التعامل مع الموظفين العموميين الذين ثبت عدم موثوقية التعامل معهم فى مثل هذه الظروف وذلك عبر منصة أو تطبيق.


وبما أننا نسعى لإدماج التكنولوجيا في إيجاد حلول للمشكلات المختلفة لقطاع العقارات والإستفادة من الفرص المتاحة في ظل الخفض الأخير لسعر الفائدة على الجنيه بما يعمل على تنشيط حركة البيع، والتمويل العقاري وينقذ قطاعاً محورياً من قطاعات الدولة وقطاعات أخرى مرتبطة به من الدخول في دوامة الركود وذلك إلى جانب الترويج لمشروعات المدن الذكية.


إن مثل هذه الحلول قد لا تكون بعيدة عن ذهن أو يد صانع القرار، لكن يلزم التنبيه إليها حتي تتمكن الدولة من تحقيق التكامل المطلوب بين قوة وفعالية القانون وطريقة إنفاذه، وإبتكار العنصر البشري، والإستخدام الأمثل للتكنولوجيا في حالات قد يراها البعض استثنائية ولكنها في الحقيقة قد تكون “نعمة مقنعة”.

وفي سياق تطورات هذا الموضوع نما إلى علمي أن البرلمان يدرس تجميد مشروع القانون نظرا لأن تناوله فى الإعلام تم بطريقة خاطئة لا توضح الجهات القائمة على تنفيذ المخالفات لتحديد الشقين الجنائى والغرامات المالية اللتان ستقعان على عاتق صاحب المبنى السكني، وما أثير من لغط حول تحصيل تلك الغرامات من قاطني المبني، وتحصيلها أيضا بأثر رجعي، وهو أمر قد يدفع بتحويل القانون برمته إلى المحكمة الدستورية للبت في مدى دستوريته.

ولكن ما يثير الدهشة هو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، كان قد أشار في أحد اللقاءات على هامش افتتاح أحد المشروعات القومية الهامة إلى أن أن تنفيذ القانون سيتم بدءا من ٢٠١٧ وهو تاريخ تقديم مشروع القانون.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.