تغير عالم العلاقات العامة بصورة جذرية في الأعوام القليلة الماضية. وبفعل جائحة كوفيد19 ، حدث ولا حرج. وفي الواقع، وكمقياس للمجتمع الدولي نفسه، توجب أن يحدث ذلك.
إن التحديات التي نواجهها كمجتمع مثل الشعبوية، ومشكلات التغير المناخي، والحاجة إلى إعادة صياغة أسس ثقافة الأعمال، وقيمنا بعيداُ عن الاستهلاك المتزايد، هي تحديات غير مسبوقة.
أضف إلى ذلك التطورات التكنولوجية ممثلة في نظم الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وغيرها من التقنيات والتطبيقات المستخدمة لإحداث التحول الرقمي الذي ننادي به جميعاً تؤثر بشكل ملحوظ على الطريقة التي نتواصل بها.
هذه التغيرات تؤدي إلى تحولات أساسية في ميزان القوى بعيداً عن مصادر السلطة التقليدية.
إن هؤلاء الأفراد والمجموعات الذين يمكنهم فهم ما يحدث والذين يمكنهم العمل من خلال أدوات الاتصال الجديدة المتاحة يمكنهم أن يظهروا باعتبارهم “نخبة جديدة”. وعندئذ، ستكون ممارسة العلاقات العامة ذات مغزى عميق ولا يمكن تجاهلها.

جاءت جائحة كوفيد 19 لتكون بمثابة “منعطف استراتيجي” يتطلب من المؤسسات اعتماد أساليب جديدة لجعل الأصالة محوراُ رئيسياُ لعملها، ويحتم على ممارسي العلاقات العامة اعتناق أربعة ممارسات ومهارات جديدة لتولي أدوار قيادية.
وهي:
تحديد وتشرب قيم المؤسسة
بناء وادارة العلاقات مع شبكات جماعات المصالح
تمكين مجالات الأعمال من خلال مهارات وأدوات الإعلام الجديد
بناء وادارة الثقة في كل هذه المراحل وبمختلف الأبعاد
ومع تزايد المخاوف من موجة ثانية من هذه الجائحة، يبدو التخطيط ضرورياُ أكثر من ذي قبل، وضرورة الاستفادة من الجوانب الايجابية التي وإن كانت قليلة لكنها كافية لتلقين العالم كله درساً هاماً، وهو أن الإستمرار في اقتفاء خطى الحملات الدعائية، التي لا علاقة لها بمفهوم العلاقات العامة، يزيد من عمق الأزمة العالمية على المستوي السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي
تحول رقمي أم مجرد تحويل
كما كشفت زيف الادعاءات الخاصة بإمكانية تحقيق التحول الرقمي المنشود بينما كان يتم التعامل معه بوصفه transaction “تحويل” مرتبط بضخ نقد من أجل الحصول على تقنية، وليس عملية تطوير شامل لاستراتيجية وأدوات النظام ككل لتصبح العلاقة بين قلب النظام وأطرافه علاقة تكامل، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول أهمية تخطيط حملات العلاقات العامة فى وقت أزمة طاحنة مثل تلك التي يشهدها العالم الآن.
بدون شك، تمكن عدد من المتواصلين الأفراد من النجاة في وقت الأزمة لأنهم امتلكوا الحدس واستطاعوا أن يتلمسوا طريقهم بنجاح خلال المواقف الصعبة وحالات الفوضى. كثير من الناس ليسوا كذلك، باعتبارهم منطقيين ويسعون لتحقيق قدر من النظام، ويريدون العمل في بيئة يمكن التحكم بها والتنبؤ بأنشطتها.
بالطبع، وفي ظل الأزمة الحالية، لن يكون هذا متاحا بشكل كامل وذلك مرجعه إلى أن التقطع الذي حدث في “سلاسل الإمداد” خلال بداية الأزمة، وعملية إعادة بناء خطوط إمداد بديلة لن يتم بصورة سريعة كما يتوقع البعض.
سيتطلب الأمر إعادة ضبط لعمليات البحث عن المواد الخام وتقنيات استخراجها، وتطوير العمليات المعرفية المرتبطة بأنشطة الانتاج ويتضمن ذلك تطوير عمليات الانتاج نفسها ومهارات العامل، وطريقة تسليم الخدمات والمنتجات
ولنا في تجربة ايقاف شركة استرازينيكا للأدوية خير مثال في أن التسابق على ايجاد لقاح لعلاج الفيروس تم توظيفه بطريقة دعائية لتحقيق مكاسب سياسية على مستوى الحكومات وربحية على مستوى الشركات
الاقتصاد.. ليس أفضل حالاُ
وهو الشأن نفسه عندما ننظر إلى عمل الأسواق المالية التي رأينا فيها كثير من جنى مكاسب من فقاعات استثمارية لم تدم طويلا ويراها خبراء المال والأعمال على أنها عمليات تصحيحية لأنشطة اسواق الأسهم والسندات

إن تصحيح مؤشرات الأسهم والسندات لا يمكنه أن يحدث في ظل قيام الحكومات بعمليات تحفيز مالي، وقيام البنوك المركزية بخفض أو تثبيت معدلات الفائدة، وكذلك التقارير الإخبارية الصادرة عن مؤسسات دولية والتي تشير إلى توقعات نمو منخفضة ومعدلات دين عالمي مرتفعة، وتعليق اصدار تقرير التنافسية العالمية بسبب بيانات زائفة عن آداء القطاعات الاقتصادية في العديد من دول العالم
إن القدرة على الدمج بين المنظور بيروقراطي، والجانب التجاري الذي يعتمد على الحدس وبالتالي خلق نماذج أعمال جديدة، والقدرة على توصيل معلومات جديدة عنها في أنساق تتسم بالثبات والاستمرارية، هو المعضلة الرئيسية عند الشروع في تخطيط حملات العلاقات العامة
وذلك إلى جانب تحدى التعامل مع حملات العلاقات العامة من الجانب الاستراتيجي والاكتفاء بمجرد التعامل معها من منظور تكتيكي. هنا تكمن براعة مسئول العلاقات العامة، وسيظهر ذلك أيضا طريقته في التواصل عبر مختلف الشبكات والمنصات
إن القدرة على التخطيط أيضا تفرض على الأفراد والمؤسسات الذين يقترحون خطط لحملات علاقات عامة، أن تكون هذه الخطط “حالة عمل” أو “نقاش متكامل” يمكن من خلاله تحديد لماذا يجب أن يتم قبول هذه الخطة، وبذلك لن يكونوا مجرد مصادر لكنهم سيصبحون أحد عناصر التوثيق حول لماذا يتم طرح موضوع ما، وهل يمكن الاستثمار في نمط ما من العلاقات وشكل هذا الاستثمار، وما هو شكل العائد المطلوب تحقيقه من الاستثمار في هذه الخطة
وبالتأكيد، يتبنى الناس معتقداتهم الخاصة والتى قد تكون متضاربة في بعض الأحيان. فهناك من يؤيد حماية البيئة ولكنه يمتلك سيارة تسهم فى تلويثها. الشئ الوحيد الواضح هنا أنك اذا حاولت أن تثنيه عن امتلاك هذا النوع من السيارات، فإنه سيدافع بشدة عن رأيه، وبالتالي سيصعب اقناعه بوجهة نظر غير التي يتبناها
إن مجرد إعطاء الناس الكثير من المعلومات الايجابية لن يغير اتجاهاتهم وسلوكياتهم. إن النقاط المشتركة هى التي يمكن العمل عليها من أجل تحقيق التحولات المرغوبة في الوعي. واذا لم تكن هناك نقاط مشتركة فإن الجدل لن يجدى نفعاً.