
تابع المشاهدون في جميع أنحاء العالم عبر شاشات التليفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي فعاليات “المناظرة الأخيرة” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بالطبع، كان السباق محتدما بين رئيس جمهوري يريد الفوز بولاية ثانية ويعتبر الأمر مجرد معركة شخصية للحفاظ على صفقته الرابحة، أو بالأحرى صيده الثمين، ونائب رئيس سابق يريد أن يصل إلى قمة هرم القيادة في دولته بالاعتماد على العلم وخلق الأمل لجميع مواطنيها
المناظرة الأولى كانت مجرد إحماء ولم تكن النتيجة واضحة بالنسبة لكلا المرشحين لكن المناظرة الثانية والنهائية جاءت حاسمة بينما في المناظرة الثانية فقد بدا دونالد ترمب متوترا فى ردوده وكثيرا ما حاول التقليل من شأن منافسه الديمقراطي عبر استخدام مصطلحات لا تليق بمن في مكانته، كعادته، وقد تمكن بايدن على الرغم من ذلك من امتصاص هذه الصدمات والرد بطريقة أفضل
حتى في ظل محاولات ترمب التشكيك في نزاهته من خلال اثارة علاقات بالصين ونجله هانتر وهي قصة دعائية تم اختلاقها خلال فترة قصيرة ولم يبحث الكثيرين في مصداقيتها لأن صانع القرار الأمريكي الحالى يلقى بالاتهامات أينما ذهب على معارضيه ويقصيهم بشكل سافر، وهذا كان واضحا في تصريحات مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، وكذلك طريقته في التعامل مع فريق ادارة أزمة كوفيد 19، وعدد أخر من مساعديه الشخصيين الذين قدموا استقالاتهم لعدم قدرتهم على تحمل أساليبه التي تتنافي مع ما تنص عليه تعاليم القيادة من النزاهة والشفافية
أضف إلى ذلك، علاقته التي وصلت إلى مستويات متدنية في علاقته بوسائل الإعلام التي وصلت ذروتها إلى إلغاء مقابلة تليفزيونية على محطة “سي.بي.اس” الاخبارية الأمريكية وطريقته المهينة في التعامل مع مراسلها وجميع المراسلين خلال تغطية اجتماعات ادارة الأزمة التي انتهت به إلى أن يظهر كمجرد “رجل مبيعات” يقدم منتجات رديئة لا تناسب احتياجات المواطن الأمريكي خلال أزمة وصل عدد وفيات الأمريكيين فيها إلى أكثر من 220 ألف وكذلك عدد يقارب 9 مليون اصابة في الولايات المتحدة، وأن هناك ولايات تتجه إلى اعادة الاغلاق مجددا في ظل موجة ثانية من الجائحة خلال الشتاء المقبل
وسائل الاعلام.. كيف انتصرت “الضحية” لنفسها؟
ومما زاد الطين بلة طريقته في التعامل مع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها تويتر وفيسبوك عقب رفضها مشاركة محتوى لمقال على موقع صحيفة “نيويوركر” للنيل من سمعة منافسه جو بايدن، وعلى الرغم من التحقيقات التي تجري في الكرنجرس بشأن هذا الموضوع، فقد انتصرت وسائل التواصل الاجتماعي لنفسها بعدم نشر مقال تم صياغته وتمريره عبر استغلال نفوذ جماعات ضغط مواليه لترمب، وكذلك ادارته لعلاقاته التجارية بعمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة وخارجها، والتي تسببت في اهدار كثير من الوظائف للأمريكيين في وقت قاتل
كشفت المناظرة الثانية كثيرا من أوجه القصور التي عاني منها دونالد ترمب، في علاج كثير من الموضوعات مثل خفض انبعاثات الكربون التي عمد فيها إلى اطلاق مزاعم حول أن الولايات المتحدة هي الأفضل من حيث معدل انبعاثات الكربون مقارنة بالصين والهند وكذلك القضايا المتعلقة باصلاح نظام العدالة، وطريقة التعامل مع المدمنين لخفض نسب تعاطي المخدرات التي ذهب فيها بايدن إلى القول “أن علاج مشكلة الادمان أفضل كثيراً من معاقبة المدمنين” وهي طريقة أكثر عقلانية في التعامل مع هذه المشكلة، وهنا تتجلى تعاليم القيادة الحقيقية، إلى جانب قضايا الهجرة التى
التلاعب بورقة.. دافعي الضرائب
وجاء الاصلاح الضريبي بعد فشله في موضوع الرعاية الصحية، بمثابة الورقة التي حاول دونالد ترمب أن يقامر بها من خلال الاعلان عن أن زيادة جو بايدن هي خصم من جيوب المواطنين. تسبب دونالد ترمب في تراكم مديونية ضخمة نتيجة لعدم توزيعها بشكل جيد على قطاعات الاقتصاد المتضررة حتى بلغ الاجمالي الدين المتراكم 3 تريليون دولار، وهو مبلغ كبير يصعب تقليصه في فترة قصيرة في ظل علاقات تجارية متدهورة مع دول العالم وكذلك الاجراءات الاحترازية التي ينبغي الاعلان عنها لكبح انتشار الفيروس خلال الموجة الثانية

في حالة ترمب، فإن التلاعب بورقة الضرائب أشبه بمن أفلس ويحاول تغطية خسائره باثارة الذعر والمخاوف لدى الأخرين. أما في حالة بايدن فزيادة الضرائب كانت مبررة إلى حد كبير.
وللناخب الأمريكي بالطبع حرية الاختيار بين تراكم الديون في ظل جائحة لم يتوفر لها علاج وتشير التوقعات إلى أن هذا الوضع قد يستمر حتى الصيف المقبل، أو أن يسهم في ابقاء الاقتصاد على قيد الحياة. ليس فقط هذا، بل وأيضا الاقتصاد العالمي الذي لن يتعافى جيدا طالما أن الاقتصاد الأمريكي يسعل
مصدر قوتك قد يصبح من أقوى نقاط الضعف
قوة ترمب هذه المرة اعتمدت على تحذيرات قاطعة من جانب وكالة الاستخبارات الأمريكية من تدخل محتمل من الصين وروسيا، وهو أمر ينبغي أن يتم فيه توجيه اللوم إلى من ذهب مع هذه الفرضية، فهو يعترف صراحة بأنه كان هناك تدخل من جانب قوى خارجية للتأثير في الانتخابات الأمريكية في السابق، وأنه كان على علم بذلك ولم يخطر السلطات بذلك لأنه فاز بالرئاسة وانتهى الموضوع عند هذا الحد
ويعني ذلك أيضا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال السنوات الأربع الأخيرة لم يبذل جهدا يذكر في سبيل اصلاح هذا الخلل المؤسسي في نظام العدالة والاستخبارات الذي حاول دفن ومحو آثاره عندما طالت الفضيحة نجله وعلاقته بالوفد الروسي الذي زاره في مبني ترمب الادارى، وكذلك في فضيحة أوكرانيا
وهناك كثير من التساؤلات التي تطرح نفسها هل يمكن لروسيا أو الصين أن تكون أكثر تفوقا على الولايات المتحدة في مجال الأمن السيبراني وأمن المعلومات؟ ولماذا تم تسريب رسائل البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في هذا الوقت بالتحديد، بغض النظر عما تحتويه من معلومات، وهل رسائل كبار المسئولين الأمريكيين على هذا القدر من التفاهة بحيث لا تراعى في عمليات نشرها وتداولها شروط وأحكام السرية
السؤال بسيط والاجابة سهلة لمن استوعب الدرس
سألت المسئولة عن ادارة الحوار كلا المرشحين: ماذا تقول لمن لم ينتخبوك؟ وهو سؤال يتم طرحه ليطوى كلا منهما كتابه طي السجل. وللناخب الأمريكي أن يقرر في اختياره ما بين “رئيس لكل الأمريكيين” يريد اقتصاد يقوم على العلم والتكنولوجيا الخضراء والاستدامة بحلول 2050، واخر يريد “امريكا ناجحة” بمجرد أرقام لا تسمن ولا تغني من جوع ومبادرات ليست سوى في مخيلته فقط

السباق الانتخابي الحالى، لن يترك سوى أثرا واحد ينبغي للحزب الجمهورى أيضاً الذي يحتاج إلى الكثير من الوقت في اعادة صياغة سياساته والابتعاد عن الاتجاه نحو اليمين المتطرف. قد يكون الخيار الأفضل للحزب الجمهورى إعلان حقبة جديدة لتطوير مبادئه وكذلك كوادره التي لا أشك أنه يزخر بها ولكنها تتوارى فى الظلال، وهو الأمر نفسه الذي ينبغي أن يقدمه الحزب الديمقراطي في المستقبل، قدمتم كمالا هاريس ومن قبلها هيلارى كلينتون وباراك أوباما، واذا كان المجال مفتوحا أمام أعراق وأديان أخرى لتكون أمريكا للجميع بحق
