عمالقة التكنولوجيا.. اللعب في ظل غموض القواعد أم كسر للقواعد؟

يقف عمالقة التكنولوجيا ما بين مطرقة سوق عالمية لم تتشكل بعد، وأسواق داخلية ما زالت ترزخ تحت وطأة ضغوط سياسية واقتصادية غير مسبوقة

قد ترجع أزمة هذه الشركات إلى أنها ما زالت تعمل بآليات السوق القديمة، وهي كبقية مجالات الأعمال تأثرت وتحاول النهوض قدر استطاعتها وفق ما تملكه من امكانات


بالفعل، حاول كثير منهم ابتكار نماذج أعمال لتمييز علاماتهم التجارية بشكل أفضل خلال الموجة الأولى من الجائحة، وكان مقدر لبعضها أن تضعف بمرور الوقت، لكن لم تتأثر المبادرات الرئيسية التي يعملون علي تنفيذها في مختلف الأسواق وبالتحديد في الأسواق النامية


وتغيرت النظرة كثيرا دور هذه الشركات – بعيدا عن سياسات وادي السيليكون “سيليكون فالي”- التي عملت على مدار العامين الماضيين على تعزيز كثير من مبادرات التنمية المستدامة، وخاصة في الأسواق الناشئة


لست هنا بصدد عرض نماذج قدمتها جوجل، أو ميكروسوفت، أو هواوى، وغيرها، بل ومن خلال فيديو أشرت فيه إلى الدور المأمول تحقيقه من عمالقة التكنولوجيا في زمن الجائحة والذي يمكن أن يسهم بقدر كبير في انقاذ سلاسل الامداد العالمية المتهالكة، وإنقاذ الأسواق المقدر لها أن تنجو من التبعات الطويلة لهذه الأزمة العاصفة، وضمان استمرارية الأعمال، وكذلك دورهم في مجال المسئولية الاجتماعية في الدول المتضررة


ومن خلال إيجاد همزة الوصل ما بين تنفيذ تلك المشروعات وتسويقها، نرى الكثير من المعارف ومعها المهارات التي يتم خلقها بصفة مستمرة، وتمكنت تلك المهارات من شق طريقها وخلق علامات تجارية محلية ومنتجات مميزة، واتجهت هذه الشركات العالمية إلى الشراكة والاستحواذ عليها فيما بعد


بالطبع، تعد قضية تنظيم سوق التكنولوجيا ورقة سياسية مهمة لدي السياسيين فهي قد تكون مصدر للفوز في الانتخابات أو الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية أو حتى الاحتفاظ بموقع متقدم في الحزب الذي ينتمون عليه، كل هذه مكاسب مشروعة.. لكن ما الذي ستقدمونه من تشريعات لحماية هذا القطاع المهم من السوق في هذا التوقيت الحرج


استجوابات متتالية حول الممارسات التجارية


ومنذ استجواب مارك زوكربرج مؤسس “فيسبوك” بشأن العملة الرقمية “ليبرا” وقد أعلنت رأيي فيه صراحة، وهو أن هناك العديد من الأمور المرتبطة بالسرية وقيمة العملة نفسها وطريقة الترويج لها، وتسبب ذلك في توقف كثير ممن حاولوا في سبيل حل هذه المعادلة الصعبة، وكأن العالم اكتفى بالتداول على بيتكوين تلك التي لا أصل لها، وعلى مدار عامين رأينا ما تعرضت له”هواوى” خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، و”تويتر” بشأن المحتوى، وأخيراً التحقيق بالكونجرس حول الممارسات الاعلانية لمحرك البحث “جوجل” الأسبوع الماضي


ووفقاً لتقرير عن صحيفة “الجارديان” البريطانية، فبالرغم من الأرباح التي حققتها “جوجل” خلال العام الماضي وبلغت 34 مليار دولار، فقد تعرضت الشركة لثلاث استجوابات في الفترة من2017 وحتى 2019 بشأن الممارسات المضادة للثقة –الاستجوابات المضادة للسياسات الاحتكارية- نتج عنها غرامات فرضتها المفوضية قدرت بـ8 مليار يورو، في حين تدفع الشركة نحو 12 مليار دولار سنويا لتصبح المحرك الأول على الهواتف المحمولة وأجهزة اي باد


وبعيداً عن سوق الأسهم الذي يتأثر بنسمة الهواء الباردة التي تهب على هذا القطاع وغيره من قطاعات الاقتصاد العالمي، أو حتى الدور المأمول منه، واذا كنتم -أيها الساسة- لا ترون أن هذه القواعد كافية أو عادلة من الناحية السياسية أو التجارية بالنسبة لجماهير المستخدمين أو المستهلكين التي تمثلونها، ما هي خططكم لإعادة تنظيم مثل هذا السوق الحيوي، وهل هي خطط واقعية


رد الفعل العكسي أو العقلاني.. إعادة ترتيب الشركات من الداخل


وفي ظل الحمائية، نرى كثير من عمالقة التكنولوجيا يحاولون ابتكار سياسات كرد فعل على تلك الهجمات الحكومية والسياسية، وإن كان كثير منها يتعلق بالمحتوى وفي بعض الأحيان ما يتعلق بالممارسات التجارية، لكن هذه الضبابية في أداء الشركات والردود المستفزة في كثير من الأحيان لشرائح عريضة من الجماهير قد جعلها هدفاً سهلاً، للحكومات، والبرلمانات، والاعلام أيضاً


لذا، يصبح من الضروري إعادة جمع فرق متميزة في مجال العلاقات الحكومية وذات خبرة في مختلف المجالات لصياغة هذه السياسات وضمان تنفيذها بشكل أوضح، وبالتالي ضبط عمل هذه الشركات في الأسواق المتقدمة والناشئة على السواء، بحيث لا يصبح مجلس الإدارة أو مكتب الرئيس التنفيذي هو المكان الوحيد المنوط به صياغة السياسات وتنفيذها، بل أن يكون ذلك بمثابة جهد يتشاطره العاملين ومؤسساتهم، وألا يكون الهدف منه مجرد جذب انتباه المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن ذاكرة السمك أتحدث

وينبغي التأكيد على أن تغيير هذه السياسات يضمن أن تلائم طبيعة كل سوق ومتطلباته، وأن تؤكد الشركات هذا النهج سيستمر خلال فترة الجائحة وما بعدها


لعبة التفوق التكنولوجي


وفي ظل اعادة ترتيب العالم تثير هذه القضية أيضاً موضوعاُ ليس أقل منه أهمية، يتعلق باستغلال هذه الكيانات نفسها في معادلة التفوق التكنولوجي

ما من شك أن هذه الشركات نشأت في أسواق الدول المتقدمة، على أيدي أشخاص نجحوا في تأسيس هذه الكيانات وبرعوا في ترويجها حتى تصبح “متعددة الجنسيات”، وشهدت أوج ازدهار العولمة، لكن هل تتخلى هذه الشركات عن تلك الاستقلالية في المستقبل في مقابل امتيازات محلية من جانب حكومات الدول المتقدمة


الاجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية، فهي تضع تلك مصداقية تلك الكيانات في مفترق طرق، التخلى عن فكرة العالمية نتيجة لهذه الضغوط قد يكون صادماً لكنه محتمل أيضاً ولا يمكن توقعه، وهو نفسه الخيار الصعب الذي ستتعرض له هذه الكيانات في الدول الناشئة في ظل اتباعها سياسات تناسب الدول المتقدمة دون مراعاة لاحتياجات الأسواق الناشئة، ذلك هو ميزان الاستقلالية الحقيقي، وهو ميزان حساس للغاية


تراث متعددة الجنسيات


ولا أحد يعلم حجم الخسائر التي قد تتعرض لها في منطقة مثلاً كمنطقة الشرق الأوسط، في ظل صورة ما زالت ماثلة في الأذهان عن ذلك القادم من بعيد ليستنزف مقدرات بلدانها، ويتركها تتخبط بحثاً عن هويتها المفقودة التي ضاعت بسبب ثقافة الشركة التي يتم تلقينها للموظفين داخل الشركة ولا يجدوها في مجتمعاتهم المحلية


وبدون أدنى شك، سيضمحل هذا الإرث وسيضيع الجزء الأكبر من هذه الربحية أيضاً مع أزمة مثل تلك التي نحياها الآن، وتحفظ الشعوب تراثها، وسيأتي قادم آخر من بعيد ولكن في ثوب آخر ليقدم لنا سلعته، التي قد لا يحتاج من بعدنا ليشتريها لأننا سنكون خلقنا سلعة تكفي احتياجات الأجيال المقبلة.. وهذا وعد

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.