بعد المئة يوم الأولى من ولاية رئيسي: هل هي فأل سيء لمستقبل إيران؟

مصدر الصورة اتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة» المبرم عام 2015 هو الاطار المنظم للمفاوضات بين ايران والأطراف الدولية فيما يخص البرنامج النووي الايراني
مهرداد خُنساري، دبلوماسي إيراني سابق معارض، كبير المستشارين في المركز الإيراني للدراسات السياسية.

بعد أول «مئة يوم» غير مؤثرةٍ.. قضاها في منصب الرئاسة، لا يُبشِر مستقبل إبراهيم رئيسي – الذي اختاره آية الله على خامنئي بعناية.. ليشغل منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية – بأكثر من كونه.. «مخيباً للآمال»

في الواقع، وفي وقت تحتاج فيه إدارته – بشكل ملح – إلى الخبراء والنخب الفنية.. الأكثر تخصصاً، للتعامل مع القضايا الرئيسية؛ مثل توفير المياه النقية والكهرباء.. لملايين من المواطنين المحرومين، أحاط رئيسي نفسه بدائرة داخلية من المتشددين، الذين يعتنقون أيدولوجيات «الموت بصعوبة»، ولديهم أولوية وحيدة.. هي بقاء «الدولة العميقة» في إيران

وبالتالي، لم يتفاجأ أحد.. بأن إدارة رئيسي في أول «مئة يوم» لها – بغض النظر عن الشعارات التي تم تصميمها.. بشكل مبالغ فيه، وكانت مصحوبة بمزيج من التهديدات والوعود الكاذبة – قد فشلت في خلق أي نوع من السياسات الجديدة والراسخة – سواء على المستوى المحلي أو الخارجي – الهادفة إلى توفير قدر من الدعم الاجتماعي، وتحسين حالة سكان البلاد.. الذين طالت معاناتهم

وفي ظل وجود قاعدة دعم انتخابية – لا تزيد عن 15٪ – بأكملها في الداخل، وسمعته الملطخة باتهامات.. بالتواطؤ في قتل حوالي 5 آلاف سجين سياسي في عام 1989، التي أضرت بشدة.. بأوراق اعتماده لدى الغرب، يكافح رئيسي أيضًا.. للتعايش مع حقيقة أنه – وأتباعه – هم ورثة سلسلة من الشعارات الثورية الجوفاء، مثل «الموت لأمريكا وإسرائيل»

الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي

تلك الشعارات، التي لا يمكنهم السعي وراء تحقيقها.. بطريقة ملموسة، ولا حتى.. إيداعها – بشكل أكثر ملاءمة – في «مزبلة التاريخ».. إلى الأبد

في مجال السياسة الخارجية، سيكون التحدي الأكثر إلحاحًا أمام رئيسي، هو ما يمكن التوصل إليه، من المحادثات غير المباشرة، المخطط لها مع الولايات المتحدة الأمريكية، الرامية إلى محاولة إحياء الاتفاق النووي – المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» – الذي يعتقد الكثيرون أنه عفا عليه الزمن، ولم يعد ذو جدوى غالباً.. في هذا الوقت

فمن وجهة نظره – وفي ظل غياب نوع من الاتفاق المضمون، وغير القابل للإلغاء.. من جانب الولايات المتحدة – فإن أي أمل في تخفيف العقوبات بشكل دائم، والأهم من ذلك.. تأمين تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة – التي تشتد الحاجة إليها – ونقل التكنولوجيا.. التي يتعين الاعتماد عليها لإنعاش الاقتصاد الإيراني، لن تكون سهلة

فبعد انقطاع دام 5 أشهر.. في محادثات فيينا، وافق فريق رئيسي النووي – بقيادة نائب وزير الخارجية، علي باقري كاني، وهو نفسه من أشد المنتقدين لاتفاق «خطة العمل الشاملة المشتركة» المبرم عام 2015 –  في النهاية.. على موعد للاجتماع، يوم 29 من نوفمبر الجاري

وفي محاولة لإظهار الثقة بالنفس، وأقل مرونة من حكومة روحاني السابقة، أصر باقري – في نقاشاته مع نظرائه الفرنسيين والألمان والبريطانيين – على أنه لا يمكن تحقيق أي شيء ملموس، مع عدم رفع جميع «العقوبات غير القانونية»، فيما يجب أن يكون «اتفاقاً مضمون البقاء»

كما أن رفض تضمين المناقشات – في الوقت نفسه – أي إشارة إلى «برنامج إيران الصاروخي» و«السياسات الإقليمية»؛ وهما شرطان مسبقان مهمان.. من قبل الولايات المتحدة (مع تحريض خلف الكواليس من الأوساط العربية والإسرائيلية)، لرفع جميع العقوبات الرئيسية، يجعل من الصعب تصور إحراز أي تقدم ذا مغزى.. في المحادثات المتوقفة، عند استئنافها

مصدر القوة الوحيد لحكومة رئيسي.. في هذا الوقت – وفي ظل الإحجام عن مناقشة القضايا غير النووية – هو عرضها التراجع عن الإجراءات، التي يمكن تفسيرها.. على أنها تتجاوز مجرد الاستخدام السلمي للطاقة النووية؛ مثل تخزين المواد غير المقبولة (اليورانيوم المخصب عالي الدرجة، ومعدن اليورانيوم)، مع إزالة جميع العوائق.. التي تحول دون مراقبة مفتشي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» لأنشطتها

ومع ذلك، لا أحد يعتقد حقاً.. أنه – في حالة عدم توسيع نطاق المناقشات – سيكون هناك أي احتمال لسيناريو، يمكن فيه إزالة جميع العقوبات. وبالتالي، سيظل الاقتصاد الإيراني «رهينة» هذه المحادثات اللامتناهية، التي ستتناول فقط قضايا محددة؛ مثل «أي عقوبات، وأي أنشطة نووية، وبأي ترتيب».. في الوقت الحالي

وفي الداخل، وبينما يظل رئيسي و«الدولة العميقة»، دون أي تحدٍ من جانب أي بديل سياسي متماسك، فإن الحقيقة.. هي أنهم غير قادرين على تقديم أي نوع من الرؤية.. المفعمة بالأمل لمستقبل إيران، تحظى بقبول الأغلبية الساحقة من السكان المهمشين والمتضررين

وفي هذا الصدد، من الأمور المثيرة للسخرية.. أن توقيت نهاية أول «مئة يوم» لرئيسي في المنصب، كان متزامنا مع وفاة «إف. دبليو. دي كليرك»؛ آخر رئيس لنظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقيا، قبل انقضاء حقبة حكم الأقلية البيضاء

ومثلما تفاوض دي كليرك مع نيلسون مانديلا، لتفكيك نظام الفصل العنصري تمامًا، والتأسيس للانتقال إلى حق الاقتراع العام، يمكن أن يأخذ رئيسي – الذي يتطلع إليه الكثيرون بوصفه خليفة لآية الله علي خامنئي وليكون المرشد الأعلى التالي لإيران – ورقة من كتاب دي كليرك، من خلال النظر بجدية.. إلى إيجاد طرق لاحتضان دعوات المصالحة الوطنية، واستغلال القنوات السلمية.. للانتقال من «الديكتاتورية الدينية» الحالية، إلى نظام شامل.. مقبول للأغلبية الساحقة من الشعب الإيراني

وأخيرًا.. من الجدير بالذكر، أنه في الأسبوع الماضي، تم إصدار رسالة فيديو – مسجلة مسبقًا – من دي كليرك، يعتذر فيها لشعب جنوب إفريقيا.. عن جميع الفظائع التي ارتكبها نظام الفصل العنصري، بعد وفاته. وبالنسبة لرئيسي – في نهاية المطاف – فإنه يمكنه.. إما محاكاة دي كليرك؛ من خلال العمل نحو انتقال سلمي.. من خلال الإصلاح الدستوري، أو مواجهة الاحتمال النهائي.. لتقديم اعتذاره للأمة الإيرانية، أمام محكمة قضائية

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.