لما وجدت أن هناك اقبالاً من جمهور قراء “المجلة الرقمية للعلاقات العامة باللغة العربية” على البحث عن موضوع يتعلق بأخلاقيات ممارسة العلاقات العامة وهو ما انعكس بشكل واضح على نتائج محركات البحث، فقد رأيت أنه من الواجب حصول العرض والتوضيح لأبعاد هذا الموضوع
وأرى أن مجرد البحث في موضوع مثل أخلاقيات العلاقات العامة هو أمر جدير بالاحترام لأنه كما يضع القائم على ممارسة العلاقات العامة أمام الجمهور يضعه دائماً في موضع مسئولية ومحاسبة أمام نفسه
ومن خلال هذا المقال، يسعدني أن أسلط الضوء على هذا الموضوع ليكون الاتصال في هذه الحالة ثنائي الاتجاه، من طرف جمهور يقدر أبعاد القضايا والموضوعات ومن جانب أحد القائمين على هذه الممارسة بدلاً من أن يكون اتصالاً خطياً-أحادي الاتجاه
وأبدأ بالقول إن الميثاق الأخلاقي لممارسة هذه المهنة الهامة أوجدته دوافع صاغتها التجارب التي شكلت معالمها الحالية منذ نشأتها الأولى في عشرينيات القرن الماضي على يد “ايفى لى” و”ادوارد بيرنز” وغيرهم من الباحثين والأكاديميين والأخلاقيين وحتى وقتنا هذا.
وتقوم الفلسفة الأخلاقية لممارسة العلاقات العامة على خلق أرضية مشتركة للتواصل الهادف البناء بين الأفراد والجماعات والمؤسسات ليكون هدفها التأثير بالفعل وأن يكون هذا التأثير ايجابياً بما يحقق الرفاهية الاجتماعية وسعادة البشر
وقد تم وضع الميثاق الذي يتناول السمات الأخلاقية والمهنية لممارسة العلاقات العامة وانعكس ذلك بالتالي على ممارسات المتخصصين العاملين بها من حيث المعرفة والمظهر والقبول العام وتمكن الكثيرون منهم من الارتقاء بممارسة المهنة من خلال اسهاماتهم البناءة
ونتج عن ذلك تنوعاً كبيراً في ممارسة العلاقات العامة وظهرت منها الاتصالات المؤسسية، والاتصالات الحكومية، وادارات المعلومات والنشر، وغيرها من الممارسات داخل المؤسسات، أو شكل المؤسسة المتخصصة في تقديم خدمات العلاقات العامة المستشارون الخارجيون
ولعل ما يهم القارئ الذي يبحث في هذا الموضوع على وجه الخصوص هو تطبيقاتها في عالم الأعمال في عصر يشهد موجات متتالية من الأجهزة والتطبيقات المبتكرة التي لم نعد نستغني عنها بشكل أو بأخر في حياتنا اليومية
وأود أن أقول إن الأخلاقيات لا تتغير بتغير العصور لأن الأساس الذي تقوم عليه ممارسة العلاقات العامة ينبع من المبدأ الأخلاقي سالف الذكر، وهو الجانب الذي دعا الكثير من الباحثين إلى البحث ورصد العلاقة بين الاعلام والتنمية على المستويين القومي والدولي
وقد يرى البعض أنه لسبب أو لأخر يمكن كسر هذه القاعدة لكني أرى أنه إذا كان الناتج منها يعود بالنفع فعلينا أن نقدر الابداع والابتكار، أما إذا كان السبب هو تحقيق مصلحة شخصية فقد وقع المتخصص في مجال العلاقات العامة ضحية ممارساته
إن تكنولوجيا التواصل الاجتماعي لم تخلق لكي نسئ استغلالها ولكن لنستطيع أن نبني من خلالها جسوراُ لعلاقات انسانية تستطيع أن تحقق فرصاُ للتبادل الثقافي والمعرفي والتجاري بما يضيف أبعاداً جديدة في عالم الأعمال
ولإثراء تجربة التواصل تلك فعلينا أن نبني القاعدة المعرفية السليمة عن الثقافات الأخرى وأن نجد الأرضية المشتركة للتواصل بين العاملين من مختلف الثقافات وهو الأسلوب الذي تتبناه المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات* حيث تضم في جنباتها أشخاص من اصول وأعراق مختلفة لكن يجمعهم هدف واحد تحدده السياسة الاستراتيجية لهذه الشركات
وتسهم التكنولوجيا وبرامج التدريب بشكل كبير في تذويب فجوة اختلاف جنسيات العاملين عند التواصل فيما بينهم وخلق نماذج أعمال من خلال مشروعات ذات طابع ابتكاري، أو حفزهم على التنقل في بيئات مختلفة لاكتساب المزيد من الخبرة عن طريق الملاحظة المباشرة
ولتطبيق نظم ادارية واعلامية سليمة ينبغي على ادارات المؤسسات توخي الدقة وحسن الاختيار عند تكليف متخصصين في مجال العلاقات العامة مهمة الاطلاع بهذه المسئولية حيث أنهم هم المسئولون بشكل مباشر عن رسم صورتها الذهنية التي ترغب في أن تشتهر بها لدي الجمهور مهما كان قربه وقوة تأثيره على سياسات المؤسسة وأرباحها
ولكي يتحقق دور المتخصص في مجال العلاقات العامة ليس باعتباره مجرد وسيط يسهل عملية الاتصال بين المؤسسة وجماهيرها، وإنما لأن يكون أيضاُ مستشاراً أميناُ لا يبخل بتقديم النصح عند الضرورة، فعليه أن يخوض العديد من التجارب التي تساعده على أن يصقل مهاراته، وأن يجيد الاعداد للمهام المنوطة به، وألا يتوانى في اتخاذ ما يلزم من اجراءات تتعلق بصالح مؤسسته
ويكون دور المؤسسات في هذه الحالة أن ترعي ابتكارات البارزين منهم ونماذج أعمالهم بشرط أن يكون العائد على الاستثمار منها واضح، وأن يمكن قياسه خلال مراحل وعمليات ادارة الاستثمار المختلفة، مع مراعاة ظروف الموقع الجغرافي، وقطاع الأعمال، وطبيعة المنافسة في السوق الذي تعمل به المؤسسات واحتياجات جماهيرها من الموظفين، والعملاء، والمساهمين
وعندما تتضافر التطبيقات التكنولوجية، وناتج العقل البشري من محتوى مهما كان نوعه سواء كان عروض تقديمية لنماذج أعمال، أو تقارير اعلامية، أو نتائج بحوث ودراسات، أو مقاطع مصورة، أو المحتوى المصمم لمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، يتحقق التحول الرقمي للمؤسسات في أبهى صوره
كما ينبغي أيضا أن تقوم المؤسسات بتحديث أدواتها وتقنياتها بشكل مستمر لتتمكن من ادارة الموضوعات، وتوزيع المهام بكفاءة، ورصد التغيرات التي تطرأ عند إطلاق المشروعات وتنفيذها وقياس نتائجها. وإذا نجحت الادارة العليا للمنظمات في حل هذه المعادلة الصعبة ستكون قد حققت أقصى استفادة من امكاناتها البشرية والمالية والتكنولوجية.
ومن خلال التعرض لوسائط التكنولوجيا والمحتوى الذي تقدمه المؤسسات، يمكن للجمهور تقييم هذا المحتوى، وتصنيفه، واعادة تشاركه، وخلق نقاش بشأنه، والمساهمة في تطويره كلما أمكن ذلك
وتحدد نتائج اقتناع الجمهور بهذا المحتوى شكل رد الفعل عليه -اما بالتفاعل معه أو مجرد الاطلاع عليه أو تجاهله كلية-مدى مصداقيته. وتصبح مؤشرات قياس الرأي العام وتحليلات الأعمال ضرورة لاستخدام ناتج رجع الصدى في الاعداد لسيناريوهات أعمال سواء كانت للترويج لمنتج جديد أو التوسع في أسواق خارجية
وكلما نجح المتخصص في مجال العلاقات العامة من توسيع قاعدة التفاعل والمشاركة، حاز السبق. وإذا فشل فعليه أن يعيد النظر في طريقة تطبيقه للمبادئ الأخلاقية التي استند اليها في ممارساته وان يبحث في أسباب الفشل لكي يستقى منها العبرة وأن يعيد تقديم المستوى اللائق والمتميز من الممارسة
وهنا يأتي دور البحث والتطوير في مجال العلاقات العامة ليخلق فرصاً جديدة في انتاج نماذج معرفية جديدة وأشكال جديدة من المحتوى تصلح للتداول في العصر الرقمي وتكون سبباُ فى البناء أو أن يتحول إلى مجرد دعاية هدامة
كما يقدم البحث والتطوير في مجال العلاقات العامة فرصة أخرى لعرض دراسات حالات لمؤسسات اعتنقت التحول الرقمي ليس من ناحية ممارسات الأعمال ولكن من ناحية الأخلاقيات والتأهيل العلمي والمهني الذي يمتلكه العاملون بها
ولننتقل من الدائرة الضيقة لإعلام يتبنى وجهة نظر ضيقة سواء بالتأييد أو بالرفض فعلينا مناقشة التجارب والتحقق من أبعاد الموضوعات، فنستعرض النماذج المرتبطة بقصص نجاح ووضعها بين يدي المتلقي للتأكيد على التجارب الناجحة والاشادة بها، ونشجب الممارسات الخاطئة لكي يكون الاعلام اداة لمعرفة حقيقية وليس مجرد نشاط اخباري يقوم على نشر المعلومات فقط
يمثل الجزء المظلل بعلامة وجود رابط والعلامة * تقرير عن أفضل شركات العلاقات العامة على مستوى العالم لعام 2016