في ظل الحروب التجارية التي يشهدها العالم حالياً، والتغيرات التي تزامنت معها من تحولات على المستوى الدولي في بنية الإتفاقات، والكيانات، والتحالفات التجارية الدولية، وحركة السيولة النقدية، وإتجاهات الأسواق وغيرها من التبعات التي ننظر إليها جميعاً –كمتخصصين في مجال الإعلام- بعين الريبة والحذر، يصبح أمر البحث عن الإستراتيجية الأفضل لإنتاج المحتوى الإعلامي سؤالاً محوريا.
وتمثل الإستراتيجية في مجال إنتاج المحتوى ذلك المنهج الفكري المنظم الذى يمكن من خلاله إدارة الرؤية الشاملة للمنظمات، والمناهج المستخدمة في إدارة العمليات اليومية المتعلقة بأنشطة الإنتاج والبث وذلك إلى جانب المنهج الفكري المستخدم في عمليات القياس والتحليل.
تسلق “ايفريست” أو “الصعود إلى الهاوية”:
وبإعتبارها مزيج متكامل يجمع بين الإبداع والخبرة والتخطيط، تصبح عملية خلق إستراتيجية شاملة في مجال إنتاج المحتوى أشبه بتسلق جبل “ايفريست” وفي بعض الأحيان تكون بمثابة “الصعود إلى الهاوية”، فليست كل الإستراتيجيات تصلح للتنفيذ إذا ما أخذنا في الإعتبار عنصر الوقت، والمورد البشري، والنتائج المستهدف تحقيقها.
وفي ظل ضبابية توجهات الأسواق والندرة المحتملة لموارد الإنتاج يصعٌب على متخذ القرار في مجال صناعة المحتوى الإعلامي التوصل إلى القرار الأنسب وعادة ما يعتمد على حدسه الذي قد يكون مدفوعاً إلى حد كبير بسيطرة أنماط إعتيادية قديمة تكونت طبقاً لحالة سوق لم تعد موجودة بالفعل أوبسبب الرغبة في مجاراة الإتجاهات السائدة في السوق.
إن سيطرة مثل هذه الخرافات على عقلية متخذ القرار في مجال إنتاج المحتوى كفيل بإضعاف المنتج والنزول بمستواه مهما بدا متطوراً في ظاهره وتضع العراقيل أمام فكرة الإبداع كوسيلة لتحدي الأنماط التقليدية. كما أنها تقود إلى شكل جديد من الحروب الرقمية، التي تؤرق على وجه الخصوص الدول الصناعية المتقدمة تكنولوجياً أكثر من غيرها وتتسم بإعلاء قيم الموالاة والتحزب وصولاً إلى التشدد الفكري.
وبما أن تحقيق أقصى درجات الفهم لمتقضيات الواقع هو الأساس لإبتكار إستراتيجيات جديدة وناجحة في مجال إنتاج المحتوى، فعلينا أن ندرك أيضاً أن هناك من بين الأنماط القديمة ما لم يعد صالحاً للتداول وخاصة عندما نتعامل مع المحتوى الإعلامي كأصل مادي في حالات التحول الرقمي.
“طريقين غير متماثلين” في مقابل “التحول الرقمي”.. الجانب الأخلاقي:
ومن بين تلك المظاهر التي ربما تمثل عنصر كبح لحالة التحول الرقمي في مجال إنتاج المحتوى ونشره هو الإعتماد المبالغ فيه على نظرية “طريقين غير متماثلين” أو إساءة تفسيرها وتوظيفها على أنها مظهر من مظاهر الإنكار.
وحقيقة الأمر، أن هذا النموذج يستخدم التواصل المقنع للتأثير على مواقف وتصرفات أصحاب المصلحة الرئيسيين حيث يسمح بوجود حلقة التغذية المرتدة بما يسمح لممارسي العلاقات العامة بمراقبة فعالية الإتصال الإقناعي.
وفي الوقت الذي يركز فيه هذا النموذج على المنظمة ومصالحها إلا أنه يلتزم بالمنطق الأخلاقي الغائي. وقد يكون هذا مفيداُ في حالة ممارسة العلاقات العامة بشكلها التقليدي حيث تكون النتيجة عادة في مصلحة المنظمة.
غير أنه لا يصلح في حالات التحول الرقمي وخاصة في مجال إنتاج المحتوي حيث يسلط النموذج الضوء على تضارب الولاء في ممارسة العلاقات العامة ما بين ولاء المتخصصين لمؤسساتهم وولائهم لأصحاب المصلحة الرئيسيين حتى ولو تم استخدام “اختبار الصدق” والذي يشير إلى أنه يجب على المتخصصين استخدام الأساليب والمقولات المقنعة فقط التي قد تبدو مشروعة لو طبقوها على أنفسهم.
ويبدو إستخدام هذا الإختبار أشبه بمن يبحث عن مخرج من ضائقة التناقضات ليعود إليها مجدداً.
فالمقصود بالتحول الرقمي هنا هو تحقيق أقصى درجات التكامل بين النسق المستخدم للربط بين الإستراتيجية، والموارد، وأقصر طرق التنفيذ، والمخرجات مع الأخذ في عين الإعتبار الجوانب الأخلاقية المرتبطة بعملية إنتاج المحتوى وبثه.
خبرة المستخدم وإيرادات المستهلك.. الطريق إلى الآخر من خلال الأنا:
تأتي خبرة المستخدم، وإيرادات المستهلك في صدارة التحديات التي تواجه منتجي المحتوى ومن بينها تنسيق واختيار القصص الإخبارية والقدرة على تطويرها، وتحقق سهولة القراءة من خلال الوضوح، والبنية المعلوماتية الممتازة.
ووفقا لتقرير صادر عن مؤسسة “برايسووترهاوس كوبرز” بعنوان “توقعات صناعة الإعلام والترفيه عالمياً في الفترة من 2019 إلى2023 : الشخصنة- استخدام الأنا في صناعة الترفيه والإعلام”“توقعات صناعة الإعلام والترفيه عالمياً في الفترة من 2019 إلى2023 : الشخصنة- استخدام الأنا في صناعة الترفيه والإعلام” فمن المتوقع أن تصل عائدات صناعة الإعلام والترفيه إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2023 في وقت تشهد فيه صناعة الإعلام والترفيه الإنتقال ببطء من إيرادات الإعلانات إلى نماذج إيرادات المستهلك بفضل الإشتراكات على مواقع الإنترنت.
ولاتزال الشركات تجرّب طرقًا لجذب المشتركين والاحتفاظ بهم وبالتالي تعمل على ربط إيرادات المستهلك بالخبرات السابقة للمستخدم من خلال إستراتيجيات تسويقية تساعد المستهلك على الحصول على أقصى إستفادة من نماذج الاشتراك الخاصة به بالإعتماد على تفضيلاته الشخصية وخبرات الآخرين.
القائد على خط النار.. تطوير المحتوى القيادي:
يمثل “المحتوى القيادي” أو “الريادة الفكرية” نوعاُ من أنواع تسويق المحتوى حيث يمكنك الاستفادة من الموهبة، والخبرة، والعاطفة داخل عملك أو من مجتمعك ، للإجابة باستمرار على أكبر الأسئلة في أذهان جمهورك المستهدف حول موضوع معين.
متى يجب أن تفكر في استخدام هذا النوع من المحتوى، وكيف تستطيع أن توازن بين موهبة وخبرة فريقك بالتواضع والأصالة التي يتطلبها جمهور اليوم؟.
واحدة من أفضل الطرق لخلق سلطة بشأن موضوعك هي إنتاج بحث عميق حول هذا الموضوع بحيث يمكنك تقديم عمق معرفي لا يمتلكه شخص آخر وهو ما يجعل قائد الرأى في هذه الحالة على خط النار بصفة مستمرة كي يمنح العلامة التجارية التي يمثلها مصداقية أكبر.
وفي هذه الحالة، عليك أن “تعرف جمهورك” حتى يتسنى لك تصميم المحتوى للأشخاص المناسبين حيث سيساعدك ذلك على صياغة أسئلتك وتأطير المحتوى الذي تنشئه في النهاية.